وكان إسحاق يظن أنه سبق إلى هذا المعنى حتى أنشد لأعرابي الطويل:
قفي ودعينا يا مليح بنظرة فقد حان منا يا مليح رحيل أليس قليلا نظرة إن نظرتها إليك وكلا منك ليس قليل قال: فحلف إسحاق أنه ما كان سمعه.
أخبرني الحسين بن علي الصيمري، قال: حدثنا محمد بن عمران بن موسى الكاتب، قال: أخبرني محمد بن يحيى، قال: حدثني عون بن محمد الكندي: أن محمد بن عطية العطوي الشاعر حدثه أنه كان عند يحيى بن أكثم في مجلس له يجتمع الناس فيه، فوافى إسحاق بن إبراهيم الموصلي، فأخذ يناظر أهل الكلام حتى انتصف منهم، ثم تكلم في الفقه فأحسن، وقاس واحتج وتكلم في الشعر واللغة ففاق من حضر، فأقبل على يحيى فقال: أعز الله القاضي أفي شيء مما ناظرت فيه وحكيته نقص أو مطعن؟ قال: لا. قال: فما بالي أقوم بسائر هذه العلوم قيام أهلها وأنسب إلى فن واحد قد اقتصر الناس عليه؟ قال العطوي: فالتفت إلي يحيى بن أكثم فقال: جوابه في هذا عليك قال: وكان العطوي من أهل الجدل فقلت: نعم أعز الله القاضي الجواب علي. ثم أقبلت على إسحاق فقلت: يا أبا محمد أنت كالفراء والأخفش في النحو؟ قال: لا قلت: أفأنت في اللغة وعلم الشعر كالأصمعي وأبي عبيدة؟ قال: لا قلت: أفأنت في الأنساب كالكلبي وأبي اليقظان؟ قال: لا قلت: أفأنت في الكلام كأبي الهذيل والنظام؟ قال: لا قلت: أفأنت في الفقه كالقاضي؟ قال: لا قلت: أفأنت في قول الشعر كأبي العتاهية وأبي نؤاس؟ قال: لا قلت: فمن هاهنا نسبت إلى ما نسبت إليه لأنه لا نظير لك فيه ولا شبيه، وأنت في غيره دون رؤساء أهله. فضحك وقام فانصرف فقال لي يحيى بن أكثم: لقد وفيت الحجة حقها، وفيها ظلم قليل لإسحاق، وإنه