بالله خاليا، وأوحش ما تكون آنس ما يكون الناس، سمعت الحديث وتركت الناس يحدثون، وتفهمت في دين الله وتركتهم يفتون، لا تذللك المطامع، ولا ترغب إلى الناس في الصنائع، ولا تحسد الأخيار، ولا تعيب الأشرار، ولا تقبل من السلطان عطية، ولا من الإخوان هدية، سجنت نفسك في بيتك، فلا محدث لك، ولا ستر على بابك، ولا قلة تبرد فيها ماءك، ولا قصعة تثرد فيها غداءك وعشاءك، فلو رأيت جنازتك وكثرة تابعك، علمت أنه قد شرفك وكرمك، وألبسك رداء عملك، فلو لم يرغب عبد في الزهد في الدنيا إلا لمحبة هذا النشر الجميل والتابع الكثير، لكان حقيقا بالاجتهاد، فسبحان من لا يضيع مطيعا، ولا ينسى لأحد صنيعا. وفرغ من دفنه وقام الناس.
أخبرنا البرقاني، قال: أخبرنا إبراهيم بن محمد بن يحيى المزكي، قال: أخبرنا محمد بن إسحاق السراج، قال: سمعت أبا بكر بن خلف، قال: حدثنا إسحاق بن منصور السلولي سنة خمس ومائتين، قال: لما مات داود الطائي شيع جنازته الناس، فلما دفن قام ابن السماك على قبره، فقال: يا داود، كنت تسهر ليلك إذا الناس ينامون، فقال القوم جميعا: صدقت، وكنت تربح إذا الناس يخسرون، فقال الناس جميعا: صدقت، وكنت تسلم إذا الناس يخوضون، فقال الناس جميعا: صدقت، حتى عدد فضائله كلها. فلما فرغ قام أبو بكر النهشلي فحمد الله، ثم قال: يا رب إن الناس قد قالوا ما عندهم مبلغ ما علموا، اللهم فاغفر له برحمتك، ولا تكله إلى عمله.
أخبرنا عَلي بن مُحمد بن عبد الله المعدل، قال: أخبرنا الحسين بن صفوان البرذعي، قال: حدثنا عبد الله بن محمد بن أبي الدنيا، قال: حدثني محمد بن الحسين، قال: حدثنا أبو الوليد الكلبي، قال: حدثني حفص بن بغيل المرهبي، قال: رأيت داود الطائي في منامي، فقلت: أبا سليمان كيف رأيت خير الآخرة؟ قال: رأيت خيرها كثيرا، قال: قلت: فماذا صرت إليه؟ قال: صرت إلى خير والحمد لله. قال: قلت: فهل لك من علم بسفيان بن سعيد فقد كان يحب الخير وأهله؟ قال: فتبسم، وقال: رقاه الخير إلى درجة أهل الخير.