داود الرقي يقول: سمعت ابن الجلاء يقول: لقيت ست مائة شيخ ما لقيت فيهم مثل أربعة، أحدهم ذو النون.
أخبرنا القاضي أبو القاسم عبد الواحد بن محمد بن عثمان البجلي، قال: أخبرنا جعفر بن محمد بن نصير الخلدي، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن مسروق، قال: سمعت ذا النون المصري يقول: بينا أنا في بعض مسيري إذ لقيتني امرأة فقالت لي: من أين؟ قلت: رجل غريب، فقالت لي: ويحك! وهل يوجد مع الله أحزان الغربة، وهو مؤنس الغرباء، ومعين الضعفاء؟ فبكيت، فقالت لي: ما يبكيك؟ قلت: وقع الدواء على داء قد قرح فأسرع في نجاحه، قالت: إن كنت صادقا فلم بكيت؟ قلت: والصادق لا يبكي؟ قالت: لا، قلت: ولم؟ قالت: لأن البكاء راحة القلب، وملجأ يلجأ إليه، وما كتم القلب شيئا أحق من الشهيق والزفير، فإذا أسبلت الدمعة استراح القلب، وهذا ضعف عند الألباء يا بطال، فبقيت متعجبا من كلامها، فقالت: مالك؟ قلت: تعجبا من هذا الكلام. قالت: وقد أنسيت القرحة التي سألت عنها؟ قلت: لا، قلت: علميني شيئا ينفعني الله به. قالت: وما أفادك الحكيم في مقامك هذا من الفوائد ما تستغني به عن طلب الزوائد؟ قلت: لا، ما أنا بمستغن عن طلب الزوائد، قالت: صدقت. حِبَّ ربك واشتق إليه، فإن له يوما يتجلى فيه على كرسي كرامته لأوليائه وأحبائه فيذيقهم من محبته كأسا لا يظمؤون بعدها أبدا، قال: ثم أخذت في البكاء والزفير والشهيق وهي تقول: سيدي إلى كم تخلفني في دار لا أجد فيها أحدا يسعدني على البكاء أيام حياتي؟ ثم تركتني ومضت.
أخبرنا عَلي بن مُحمد بن عبد الله المعدل، قال: أخبرنا جعفر بن محمد بن نصير الخلدي، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن مسروق، قال: سمعت ذا النون المصري يقول: اعلموا أن الذي أقام الحياء من الله معرفته بإحسانه