قال: ومن ثم تعلمت عمل الخوص، أشتري خوصا بدرهم فأعمله فأبيعه بدرهمين، فأرد درهما إلى الخوص، وأستنفق درهما، أحب أن آكل من عمل يدي، وهو يومئذ على عشرين ألفا، فبلغنا ونحن بالمدينة أن رجلا قد خرج بمكة يزعم أن الله أرسله، فمكثنا ما شاء الله أن نمكث، فهاجر إلينا، وقدم علينا، فقلت: والله لأجربنه، فذهبت إلى السوق فاشتريت لحم جزور بدرهم ثم طبخته، فجعلت قصعة من ثريد، فاحتملتها حتى أتيته بها على عاتقي، حتى وضعتها بين يديه، فقال: ما هذه أصدقة أم هدية؟ قلت: بل صدقة، فقال لأصحابه: كلوا باسم الله، وأمسك ولم يأكل، فمكثت أياما ثم اشتريت لحما أيضا بدرهم، جزوريا، فأصنع مثلها، فاحتملتها حتى أتيته بها، فوضعتها بين يديه، فقال: ما هذه هدية أم صدقة؟ قلت: لا بل هدية، قال لأصحابه: كلوا باسم الله، وأكل معهم، قلت: هذا والله يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة، فنظرت فرأيت بين كتفيه خاتم النبوة مثل بيضة الحمامة، فأسلمت، ثم قلت له ذات يوم: يا رسول الله أي قوم النصارى؟ قال: لا خير فيهم، وكنت أحبهم حبا شديدا لما رأيت من اجتهادهم، ثم إني سألته أيضا بعد أيام: يا رسول الله أي قوم النصارى؟ قال: لا خير فيهم ولا فيمن يحبهم، قلت في نفسي: فأنا والله أحبهم، قال: وذاك والله حين بعث السرايا وجرد السيف، فسرية تدخل وسرية تخرج، والسيف يقطر، قلت: يحدث بي الآن أني أحبهم فيبعث إلي فيضرب عنقي، فقعدت في البيت، فجاءني الرسول ذات يوم فقال: يا سلمان أجب، قلت: من؟ قال: رسول الله، قلت: هذا والله الذي كنت أحذر، قلت: نعم اذهب حتى ألحقك، قال: لا والله حتى تجيء، وأنا أحدث نفسي أن لو ذهب أن أفر، فانطلق بي، فانتهيت إليه، فلما رآني تبسم وقال لي: يا سلمان أبشر فقد فرج الله عنك، ثم تلا علي هؤلاء الآيات:(الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِن قَبْلِهِ هُم بِهِ يُؤْمِنُونَ)(وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ)(أُوْلَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُم مَّرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا وَيَدْرَؤُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ)(وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ)،