ولم يزل أمر القائم بأمر الله مستقيما إلى أن قبض عليه في سنة خمسين وأربعمائة، وكان السبب في ذلك أن أرسلان التركي المعروف بالبساسيري كان قد عظم أمره، واستفحل شأنه لعدم نظرائه من مقدمي الأتراك المسمين بالأصفهسلارية، واستولى على البلاد، وانتشر ذكره، وطار اسمه، وتهيبته أمراء العرب والعجم، ودعي له على كثير من المنابر العراقية، وبالأهواز ونواحيها، وجبى الأموال، وخرب الضياع، ولم يكن الخليفة القائم بأمر الله يقطع أمرا دونه، ولا يحل ويعقد إلا عن رأيه.
، ثم صح عند الخليفة سوء عقيدته وشهد عنده جماعة من الأتراك أن البساسيري عرفهم، وهو إذ ذاك بواسط، عزمه على نهب دار الخليفة، والقبض على الخليفة، فكاتب الخليفة أبا طالب محمد بن ميكال المعروف بطغرلبك أمير الغز، وهو بنواحي الري يستنهضه على المسير إلى العراق، وانفض أكثر من كان مع البساسيري وعادوا إلى بغداد، ثم أجمع رأيهم على أن قصدوا دار البساسيري وهي بالجانب الغربي في الموضع المعروف بدرب صالح بقرب الحريم الطاهري فاحرقوها وهدموا أبنيتها.
ووصل طغرلبك إلى بغداد في شهر رمضان من سنة سبع وأربعين وأربعمائة، ومضى البساسيري على الفرات إلى الرحبة، وتلاحق به خلق كثير من الأتراك البغداديين، وكاتب صاحب مصر يذكر له كونه في طاعته، وأنه على إقامة الدعوة له بالعراق فأمده بالأموال وولاه الرحبة.
وأقام طغرلبك ببغداد سنة إلى أن خرج منها إلى الموصل، وأوقع بأهل سنجار، وعاد إلى بغداد فأقام بها مدة، ثم رجع إلى الموصل وخرج منها