ثم ورد من الغد وهو يوم السبت نحو مائتي فارس من عسكر البساسيري، ثم دخل البساسيري بغداد يوم الأحد ثامن ذي القعدة ومعه الرايات المصرية، فضرب مضاربه على شاطئ دجلة، ونزل هناك والعسكر معه، وأجمع أهل الكرخ والعوام من أهل الجانب الغربي على مضافرة البساسيري، وكان قد جمع العيارين وأهل الرساتيق وكافة الدعار وأطمعهم في نهب دار الخلافة والناس إذ ذاك في ضر وجهد، قد توالت عليهم سنون مجدبة، والأسعار غالية والأقوات عزيزة، وأقام البساسيري بموضعه والقتال في كل يوم يجري بين الفريقين في السفن بدجلة.
فلما كان يوم الجمعة الثالث عشر من ذي القعدة دعي لصاحب مصر في الخطبة بجامع المنصور، وزيد في الأذان حي على خير العمل وشرع البساسيري في إصلاح الجسر، فعقده بباب الطاق، وعبر عسكره عليه، وأنزله بالزاهر، وكف الناس عن المحاربة أياما.
وحضرت الجمعة يوم العشرين من ذي القعدة فدعي لصاحب مصر في جامع الرصافة، كما دعي له في جامع المنصور، وخندق الخليفة حول داره ونهر معلى خنادق، وأصلح ما استرم من سور الدار.
فلما كان يوم الأحد لليلتين بقيتا من ذي القعدة حشر البساسيري أهل الجانب الغربي عموما، وأهل الكرخ خصوصا، ونهض بهم إلى حرب الخليفة، فتحاربوا يومين قتل بينهما قتلى كثيرة.
واستهل هلال ذي الحجة، فدلف البساسيري في يوم الثلاثاء ومن معه نحو دار الخلافة، وأضرم النار في الأسواق بنهر معلى وما يليه، ولم يكن بقي بالجانب الغربي إلا نفر ذو عدد، وعبر الخلق للانتهاب، وأحاطوا بدار الخلافة، فنهب ما لا يقدر قدره، ووجه الخليفة إلى قريش بن بدران البدوي العقيلي، وكان ضافر البساسيري، وأقبل معه، فأذم قريش للخليفة في نفسه،