قال: فحلف أبو السائب لينفخن له بمنفاخه أبدا، وينشده حتى يؤذن المغرب.
أخبرني أبو الحسن أحمد بن عبد الواحد بن محمد بن أحمد بن عثمان السلمي بدمشق، قال: حدثنا جدي، قال: أخبرنا عبد الله بن أحمد بن ربيعة بن زبر القاضي، قال: حدثنا الحسن بن عليل، قال: حدثنا مسعود بن بشر، قال: حدثنا الأصمعي قال: مر أبو السائب ذات يوم بغلام من آل أبي لهب يردد بيتا من شعر، فاستمع له ففطن به الغلام فأمسك، فقال له: فديتك أعد علي هذا البيت، فقال: قد ذهب عني قال: فإني لا أفارقك أبدا حتى تذكره فآخذه عنك، واتبع الغلام حتى عرف منزله فمضى أبو السائب فجاء بفراشه ودثاره فبسطه بباب الغلام واستلقى عليه، ولج الغلام فلم يخبره به ثلاثا، وهو بمكانه حتى سأله فيه أقاربه وجيرانه، وجعل الناس يجيئون أفواجا ينظرون إلى أبي السائب، ويعجبون منه، حتى إذا كان بعد ثلاث أخبره الغلام بالبيت، فجعل يردده حتى حفظه، ثم انصرف.
أخبرني أبو يعلى أحمد بن عبد الواحد الوكيل، قال: أخبرنا محمد بن الحسين بن موسى النيسابوري، قال: أخبرنا علي بن أحمد الفارسي، قال: حدثنا أبو بكر بن زوران، قال: حدثنا أبو بكر محمد بن زكريا، قال: حدثنا محمد بن عبد الرحمن بن القاسم التيمي، قال: حدثني أبي قال: بينا أبو السائب في داره إذ سمع رجل يتغنى بهذه الأبيات [من البسيط]:
أبكي الذين أذاقوني مودتهم حتى إذا أيقظوني للهوى رقدوا حسبي بأن تعلمي أن قد يحبكم قلبي وأن تجدي بعض الذي أجد ألقيت بيني وبين الحب معرفة فليس تنفد حتى ينفد الأبد وليس لي مسعد فامنن عليَّ به فقد بليت وقد أضناني الكمد قال: فخرج أبو السائب من داره يسعى خلفه، فقال: قف يا حبيبي دعوتك، أنا مسعدك، إلى أين تريد؟ قال: إلى خيام الشغف من وادي العرج، فأصابتهما سماء شديدة، فجعل أبو السائب يقرأ: ﴿فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ﴾ قال: فرجع إلى