فصعد المنبر فلم ينزل حتى أجاز بها كلها ثلاثة آلاف ألف دينار أو نحوها، فقبل أن ينزل أتاه معلى الطائي، وقد أعلموه ما صنع عبد الله بن طاهر بالناس في الجوائز، وكان عليه واجدا، فوقف بين يديه تحت المنبر، فقال: أصلح الله الأمير أنا معلى الطائي، ما كان مني من جفاء وغلظة فلا يغلظ علي قلبك، ولا يستخفنك ما قد بلغك، أنا الذي أقول [من البسيط]:
يا أعظم الناس عفوا عند مقدرة وأظلم الناس عند الجود للمال لو يصبح النيل يجري ماؤه ذهبا لما أشرت إلى خزن بمثقال تعنى ما فيه رق الحمد تملكه وليس شيء أعاض الحمد بالغالي تفك باليسر كف العسر من زمن إذا استطال على قوم بإقلال لم تخل كفك من جود لمختبط أو مرهف قاتل في رأس قتال وما بثثت رعيل الخيل في بلد إلا عصفن بأرزاق وآجال هل من سبيل إلى إذن فقد ظمئت نفسي إليك فما تروى على حال إن كنت منك على بال مننت به فإن شكرك من حمدي على بال ما زلت مقتضيا لولا مجاهرة من ألسن خضن في صبري بأقوال قال: فضحك عبد الله، وسر بما كان منه، وقال: يا أبا السمراء بالله أقرضني عشرة آلاف دينار فما أمسيت أملكها، فأقرضه فدفعها إليه.
حدثني الجوهري، قال: حدثنا محمد بن العباس الخزاز، قال: حدثنا أبو الحسين عبيد الله بن أحمد بن أبي طاهر، قال: حدثني أبي أن عبد الله بن طاهر لما خرج إلى المغرب كان معه كاتبه أحمد بن نهيك، فلما نزل دمشق أهديت إلى أحمد بن نهيك هدايا كثيرة في طريقه وبدمشق، وكان يثبت كل ما يهدى إليه في قرطاس ويدفعه إلى خازن له، فلما نزل عبد الله بن طاهر دمشق أمر أحمد بن نهيك أن يغدو عليه بعمل كان أمره أن يعمله، فأمر خازنه أن يخرج إليه قرطاسا فيه العمل الذي أمر بإخراجه ويضعه في المحراب بين يديه