ولي القضاء بمدينة السلام في حياة أبيه نيابة عنه، ثم مات أبوه فأقر على القضاء إلى آخر عمره، وكانت المدة من ابتداء خلافته لأبيه إلى يوم توفي سبع عشرة سنة وعشرين يوما.
أخبرنا علي بن المحسن، قال: أخبرنا طلحة بن محمد بن جعفر، قال: واستقضى المقتدر بالله في يوم النصف من شهر رمضان سنة عشر وثلاثمِائَة أبا الحسين عمر بن أبي عمر محمد بن يوسف بن يعقوب بن إسماعيل بن حماد بن زيد، وكان قبل هذا يخلف أباه على القضاء بالجانب الشرقي والشرقية وسائر ما كان إلى قاضي القضاة أبي عمر، وذلك أنه استخلفه وله عشرون سنة، ثم استقضي بعد استخلاف أبيه له على أعمال كثيرة من غير الحضرة رياسة، ثم قلد مدينة السلام في حياة أبيه أبي عمر. وهذا رجل يستغني باشتهار فضله عن الإطناب في وصفه؛ لأنا وجدنا البلغاء قد وصفوه فقصروا، والشعراء قد مدحوه فأكثروا، وكل يطلبون أمده فيعجزون إذ كان الله تعالى جعله نسيج وحده، ومفردا في عصره، ورزقه حفظ القرآن والعلم بالحلال والحرام، والفرائض والكتاب والحساب، والعلم باللغة والنحو والشعر والحديث والأخبار، والنسب وأكثر ما يتعاطاه الناس من العلوم. وأعطاه من شرف الأخلاق وكرم الأعراق والمجد المؤثل والرأي المحصل، والفضل والنجابة، والفهم والإصابة، والقريحة الصافية والمعرفة الثاقبة، والتفرد بكل فضل وفضيلة، والسمو إلى كل درجة رفيعة نبيلة من محمود الخصال والفضل والكمال، ما يطول شرحه.
وكان فقيها على مذهب مالك وأهل المدينة، مع معرفته بكثير من الاختلاف في الفقه، وكان صنف مسندا ورأيت بعضه، فكان في نهاية الحسن، وكان يذاكر به، وكان يحفظ عن جده يوسف أحاديث، ولم يزل على قضاء القضاة إلى يوم توفي ﵀.