المهدي في وقت الظهر في يوم من الأيام، وهو خال، فاستأذن عليه فأدخله، فإذا معه قمطره فاستعفاه من القضاء واستأذنه في تسليم القمطر إلى من يأمر بذلك فظن أن بعض الأولياء قد غض منه أو أضعف يده في الحكم، فقال له في ذلك، فقال: ما جرى من هذا شيء، قال: فما سبب استعفائك، فقال: كان يتقدم إلي خصمان موسران وجيهان منذ شهرين في قضية معضلة مشكلة، وكل يدعي بينة وشهودا ويدلي بحجج تحتاج إلى تأمل وتثبت، فرددت الخصوم رجاء أن يصطلحوا أو يعن لي وجه فصل ما بينهما، قال: فوقف أحدهما من خبري على أني أحب الرطب السكر، فعمد في وقتنا، وهو أول أوقات الرطب إلى أن جمع رطبا سكرا لا يتهيأ في وقتنا جمع مثله إلا لأمير المؤمنين، وما رأيت أحسن منه، ورشا بوابي جملة دراهم على أن يدخل الطبق إلي ولا يبالي أن يرد، فلما أدخل إلي أنكرت ذلك وطردت بوابي وأمرت برد الطبق فرد، فلما كان اليوم تقدم إلي مع خصمه، فما تساويا في قلبي ولا في عيني، وهذا يا أمير المؤمنين، ولم أقبل، فكيف يكون حالي لو قبلت، ولا آمن أن يقع علي حيلة في ديني فأهلك، وقد فسد الناس فأقلني أقالك الله، وأعفني فأعفاه.
أخبرني محمد بن الحسين القطان، قال: أخبرنا محمد بن الحسن بن زياد المقرئ أن داود بن وسيم البوشنجي أخبرهم ببوشنج، قال: أخبرنا عبد الرحمن بن عبد الله، عن عمه عبد الملك بن قريب الأصمعي أنه قال: كنت عند الرشيد يوما فرفع إليه في قاض كان استقضاه، يقال له: عافية، فكبر عليه، فأمر بإحضاره فأحضر، وكان في المجلس جمع كثير فجعل أمير المؤمنين يخاطبه ويوقفه على ما رفع إليه وطال المجلس، ثم إن أمير المؤمنين عطس فشمته من كان بالحضرة ممن قرب منه سواه فإنه لم يشمته، فقال له الرشيد: ما بالك لم تشمتني كما فعل القوم، فقال له عافية: لأنك يا أمير المؤمنين لم تحمد الله، فلذلك لم أشمتك هذا النبي ﷺ عطس عنده رجلان، فشمت أحدهما