فقال: يا أمير المؤمنين شهادة زور وقول غرور وملق معتف وطالب عرف، وأصدق منه ابن أخت لي حيث يقول [من الطويل]:
دعيني أجوب الأرض ألتمس الغنى فلا الكرج الدنيا ولا الناس قاسم فضحك المأمون وسكن غضبه.
أخبرني الحسين بن علي الصيمري، قال: حدثنا محمد بن عمران المرزباني، قال: أخبرني محمد بن يحيى الصولي، قال: حدثني أحمد بن إسماعيل بن الخصيب، قال: سمعت سعيد بن حميد يقول: كان ابن أبي دؤاد قد اصطنع أبا دلف واحتبسه بحيلة من يد الأفشين، وقد دعا بالسيف ليقتله، فكان أبو دلف يصير إليه كل يوم يشكره، وكان ابن أبي دؤاد يقول به ويصفه، فقال له المعتصم: إن أبا دلف حسن الغناء جيد الضرب بالعود، فقال: يا أمير المؤمنين القاسم في شجاعته وبيته في العرب يفعل هذا، قال: نعم، وما هو هذا، هو أدب زائد فيه، فكأن ابن أبي دؤاد عجب من ذلك، فأحب المعتصم أن يسمعه ابن أبي دؤاد، فقال له: يا قاسم غنني، فقال: والله ما أستطيع ذلك، وأنا أنظر إلى أمير المؤمنين هيبة له وإجلالا، فقال: لا بد من ذلك، وأجلس من وراء ستارة، فكان ذلك أسهل عليه، فضربت ستارة، وجلس أبو دلف خلفها يغني، ووجه المعتصم إلى ابن أبي دؤاد، فحضر واستدناه وجعل أبو دلف يغني وأحمد يسمع، ولا يدري من يغني، فقال له المعتصم: كيف تسمع هذا الغناء يا أبا عبد الله، فقال: أمير المؤمنين أعلم به مني، ولكني أسمع حسنا، فغمز المعتصم غلاما فهتك الستارة، وإذا أبو دلف، فلما رأى المعتصم، وابن أبي دؤاد وثب قائما، وأقبل على ابن أبي دؤاد، فقال: إني أجبرت على هذا، فقال: لولا دربتك في هذا من أين كنت تأتي بمثل هذا!