العلوم ما لم يشاركه فيه أحد من أهل عصره، وكان حافظا لكتاب الله، عارفا بالقراءات، بصيرا بالمعاني، فقيها في أحكام القرآن، عالما بالسنن وطرقها، وصحيحها وسقيمها، وناسخها ومنسوخها، عارفا بأقوال الصحابة والتابعين، ومن بعدهم من الخالفين في الأحكام، ومسائل الحلال والحرام، عارفا بأيام الناس وأخبارهم، وله الكتاب المشهور في تاريخ الأمم والملوك، وكتاب في التفسير لم يصنف أحد مثله، وكتاب سماه تهذيب الآثار، لم أر سواه في معناه إلا أنه لم يتمه، وله في أصول الفقه وفروعه كتب كثيرة، واختيار من أقاويل الفقهاء، وتفرد بمسائل حفظت عنه.
وسمعت علي بن عبيد الله بن عبد الغفار اللغوي المعروف بالسمسماني يحكي: أن محمد بن جرير مكث أربعين سنة يكتب في كل يوم منها أربعين ورقة. وبلغني عن أبي حامد أحمد بن أبي طاهر الفقيه الإسفراييني أنه قال: لو سافر رجل إلى الصين حتى يحصل له كتاب تفسير محمد بن جرير لم يكن ذلك كثيرا، أو كلاما هذا معناه.
أخبرنا القاضي أبو عبد الله محمد بن سلامة القضاعي المصري إجازة، قال: حدثنا علي بن نصر بن الصباح التغلبي، قال: حدثنا القاضي أبو عمر عبيد الله بن أحمد السمسار، وأبو القاسم بن عقيل الوراق، أن أبا جعفر الطبري قال لأصحابه: أتنشطون لتفسير القرآن؟ قالوا: كم يكون قدره؟ فقال: ثلاثون ألف ورقة. فقالوا: هذا مما تفنى الأعمار قبل تمامه، فاختصره في نحو