من صاحب الدهر لم يعدم مجلجلة … يظل منها طوال العيش منكوبا
إن الرزية لا وفر تزعزعه … أيدي الحوادث تشتيتا وتشذيبا
ولا تفرق ألاف يفوت بهم … بين يغادر حبل الوصل مقضوبا
لكن فقدان من أضحى بمصرعه … نور الهدى وبهاء العلم مسلوبا
أودي أبو جعفر والعلم واصطحبا … أعظم بذا صاحبا إذ ذاك مصحوبا
إن المنية لم تتلف به رجلا … بل أتلفت علما للدين منصوبا
أهدى الردى للثرى إذ نال مهجته … نجما على من يعادي الحق مصبوبا
كان الزمان به تصفو مشاربه … فالآن أصبح بالتكدير مقطوبا
كلا وأيامه الغر التي جعلت … للعلم نورا وللتقوى محاريبا
لا ينسري الدهر عن شبه له أبدا … ما استوقف الحج بالأنصاب أركوبا
أوفى بعهد وأورى عند مظلمة … زندا وآكد إبراما وتأديبا
منه وارصن حلما عند مزعجة … تغادر القلبي الذهن منخوبا
إذا انتضى الرأي في إيضاح مشكلة … أعاد منهجها المطموس ملحوبا
لا يعزب الحلم في عتب وفي نزق … ولا يجرع ذا الزلات تثريبا
لا يولج اللغو والعوراء مسمعه … ولا يقارف ما يغشيه تأنيبا
إن قال قاد زمام الصدق منطقه … أو آثر الصمت أولى النفس تهييبا
لقلبه ناظرا تقوى سما بهما … فأيقظ الفكر ترغيبا وترهيبا
تجلو مواعظه رين القلوب كما … يجلو ضياء سنا الصبح الغياهيبا
سيان ظاهره البادي وباطنه … فلا تراه على العلات مجدوبا
لا يأمن العجز والتقصير مادحه … ولا يخاف على الإطناب تكذيبا
ودت بقاع بلاد الله لو جعلت … قبرا له فحباها جسمه طيبا
كانت حياتك للدنيا وساكنها … نورا فأصبح عنها النور محجوبا
لو تعلم الأرض ما وارت لقد خشعت … أقطارها لك إجلالا وترحيبا