كل ذي الجهل بالفنون يعادي ... ها ويزري منها بغير الزري
وانصرفت فاستتبعني غلام على كتفه بدرة فرددتها عليه وكتبت إليه [١] :
أبلغ سليمان أني عنه في سعة ... وفي غنى غير أني لست ذا مال
سخّى بنفسي أني لا أرى أحدا ... يموت هزلا ولا يبقى على حال
والفقر في النفس لا في المال نعرفه ... ومثل ذاك الغنى في النفس لا المال
والرزق عن قدر لا العجز ينقصه ... ولا يزيدك فيه حول محتال
سأل رجل الخليل بن أحمد: من أي العرب أنت؟ فقال: فراهيدي، وسأله آخر فقال: فرهودي. قال المبرد: قوله فراهيدي انتسب إلى فراهيد بن مالك بن فهم بن عبد الله بن مالك بن مضر بن الأزد. وقوله فرهودي انتسب إلى واحد من الفراهيد، وهو فرهود، والفراهيد صغار الغنم.
وكان الخليل أعلم الناس وأذكاهم وأفضل الناس وأتقاهم، وكانوا يقولون: لم يكن في العرب بعد الصحابة أذكى من الخليل بن أحمد ولا أجمع، ولا كان في العجم أذكى من ابن المقفع ولا أجمع. وكان الخليل أشد الناس تعففا. ولقد كان الملوك يقصدونه ويتعرضون له لينال منهم فلم يكن يفعل، وكان يعيش من بستان له خلّفه عليه أبوه بالحربية. وكان يحجّ سنة ويغزو سنة حتى جاءه الموت، وأول من جمع الحروف في بيت واحد الخليل، فقال:
صف خلق خود كمثل الشمس إذ بزغت ... يحظى الضجيع بها نجلاء معطار
قيل: كان عند رجل دواء لظلمة العين ينتفع به الناس فمات وأضرّ ذلك بمن كان يستعمله. فقال الخليل بن أحمد: أله نسخة معروفة؟ قالوا: لم نجد نسخته. قال فهل له آنية يعمله فيها؟ قالوا: نعم، إناء كان يجمع الأخلاط فيه. قال: فجيئوني به. فجعل يشمّه ويخرج نوعا نوعا حتى ذكر خمسة عشر نوعا، ثم سأل عن جمعها ومقدارها، فعرف ذلك ممن يعالج مثله، فعمله فأعطاه الناس فانتفعوا به مثل تلك المنفعة، ثم وجدت النسخة في كتب الرجل فوجدوا الأخلاط ستة عشر خلطا كما ذكر