للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كما يؤمر، وبين الحالين بون بعيد. وكيف جرى الأمر فهما هما، ولقد وقف فلك البلاغة بعدهما.

ومما يدلّ على إناخة كلكل الزمان عليه، وصرف صروفه بعد النباهة إليه، فصل كتبه إلى صديق له يستميحه وهو [١] : «ولما صارت صروف الدهر تتوغل بعد التطرّف، وتجحف بعد التحيّف، وصادف ما تجدّد عليّ في هذا الوقت منها أشلاء مني منهوكة، وعظاما مبرية، وحشاشة مشفية، وبقيّة مودية، جعلت أختار الجهات، وأعتام الجنبات، لأنحو منها ما لا يعاب سائله إذا سأل، ولا يخيب آمله إذا أمل، وكان سيّدي أوّلها إذا عدّدت وأولاها إذا اعتمدت، وكتبت كتابي هذا بيد يكاد وجهي، يتظلّم منها إذ تخطه، إشفاقا على مائه مما يريقه، لولا الثقة بأنه يحقن مياه الوجوه ويحميها، ويجمّها ولا يقذيها» .

فصل من كتاب إلى عضد الدولة في تهنئة بتحويل سنته [٢] : «أسأل الله مبتهلا لديه، مادّا يدي إليه، أن يحيل على مولانا هذه السنة وما يتلوها من أخواتها بالصالحات الباقيات، والزيادات الغامرات، ليكون كلّ دهر يستقبله وأمد يستأنفه موفيا [٣] على المتقدّم له، قاصرا عن المتأخر عنه، ويوفّيه من العمر أطوله وأبعده، ومن العيش أعذبه وأرغده، عزيزا منصورا، محميّا موفورا [٤] باسطا يده فلا يقبضها إلا على نواصي أعداء وحسّاد، ساميا طرفه فلا يغضّه إلا على لذة غمض ورقاد، مستريحة ركابه فلا يعملها إلا لاستضافة عزّ وملك، فائزة قداحه فلا يجيلها إلا لحيازة مال وملك، حتى ينال أقصى ما تتوجّه إليه أمنيته جامحة، وتسمو له همّته طامحة» .

وحدث هلال بن المحسن، حدثني جدي أبو إسحاق- ثم وجدت هذا الخبر بخطّ المحسن بن ابراهيم- قال حدثني والدي أبو إسحاق قال: كان والدي أبو الحسن يلزمني في الحداثة والصبا قراءة كتب الطبّ والتحلّي بصناعته، وينهاني عن التعرّض


[١] اليتيمة ٢: ٢٥١ والمختار من رسائل الصابي: ٢٨١- ٢٨٢.
[٢] اليتيمة ٢: ٢٤٧.
[٣] م: موفرا.
[٤] م: منصورا.

<<  <  ج: ص:  >  >>