للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأبو الفرج ابن أبي هشام وغيرهم من خلفائه وكتابه، وقد أخذ الشراب من الجماعة، وزاد بهم على حدّ النشوة، وكانت لي في ذلك مزية لأنني شربت معه أرطالا عدة، إذ حضر رسول الأمير معزّ الدولة يذكر أن معه مهما، فقال أبو محمد: يدخل، فدخل وقال: الأمير يقول: تكتب عني الساعة كتابا إلى محمد بن إلياس صاحب كرمان تخطب فيه ابنته لبختيار، فقال الوزير: هذا كتاب يحتاج إلى تأمل وتثبت، وما في الكتّاب من فيه مع السكر فضل له، ثم التفت إلى أبي علي [ابن] الأنباري فقال له: تتمكن يا أبا علي من كتبه؟ فقال: أما الليلة وعلى مثل هذه الحالة والصورة فلا، ورآني الوزير مصغيا إلى القول متشوفا لما يرسمه لي في ذلك فقال: تكتبه يا أبا إسحاق؟

قلت: نعم، قال: افعل، فقمت إلى صفّة يشاهدني فيها واستدعيت دواتي ودرجا منصوريا وكتبت كتابا اقتضبته بغير رويّة ولا نسخة، والوزير والحاضرون يلاحظوني، ويعجبون من إقدامي ثم اقتضابي و [عدم] إطالتي، فلما فرغت منه أصلحته وعنونته وحملته إليه، فوقف عليه ووجهه متهلّل في أثناء القراءة والتأمّل، ورمى به إلى أبي علي ابن الأنباري ثم قال للجماعة: هذا كتاب حسن دالّ على الكفاية المبرّزة، ولو كتبه صاحيا مروّيا لكان عجبا، فكيف إذ يكتبه منتشيا مقتضبا، ولكنه كاتبي وصنيعتي، قم يا أبا إسحاق من موضعك واجلس هاهنا حيث أجلستك الكفاية، وأومأ إلى جانب أبي الغنائم ابنه، فقبّلت يده ورجله وشكرته ودعوت له، وجلست بحيث أجلسني، وشرب لي سارا، ثم استدعى حاجبه وقال: تقدّم دابته إلى حيث تقدّم دوابّ خلفائي، ويوفّى من الإكبار والإكرام ما يوفونه؛ فحسدني على ذلك كلّ من كان حاضرا، ووفوني من الغد حكم المساواة في المخاطبة والمعاملة، واستشعروا عندها أسباب العداوة والمنافسة. ثم قلدني دواوين الرسائل والمظالم والمعاون تقليدا سلطانيا كتب به عن المطيع لله إلى أصحاب الأطراف.

وحدث هلال بن المحسن، قال حدثني جدي أبو إسحاق قال: كان أبو طاهر ابن بقية واقفا بين يدي عضد الدولة في سنة أربع وستين وثلاثمائة التي ورد فيها للمعاونة على الأتراك، فقال لي عضد الدولة: لو عرضت علينا أبياتك إلى أبي القاسم عبد العزيز بن يوسف التي هي- وأنشدها وكانت-:

<<  <  ج: ص:  >  >>