ومما قيل: إن الإمام أبا شجاع عمر بن أبي الحسن البسطامي قال ببخارى: لما دخلت بغداد، قرأ عليّ أبو محمد ابن الخشاب كتاب «غريب الحديث» لأبي محمد القتبي قراءة ما سمعت قبلها مثلها في السرعة والصحة. وحضر جماعة من الفضلاء سماعها، وكانوا يريدون أن يأخذوا عليه فلتة لسان، فما قدروا على ذلك.
وسمعت جماعة كثيرة من أهل بغداد ينسبون إلى الشيخ أبي محمد ابن الخشاب هذه القصيدة في التصحيف والتحميض، وسمعت من يقول إنها منحولة إليه:
ما بال عينك يجري دمعها دررا ... لما علا الرأس شيب لاح كالقطن
تبكي وقد سلبتك الغانيات به ... عيشا رغيدا فأضحى القلب في رهن
تبكي الشباب وقد أخلقت جدّته ... ويهلك الدهر منك العظم بالوهن
كم قد تجرّعت من شرخ الصبا قدحا ... من خمر عانة ينفي طارق الوسن
فالآن قد قرعتك الحادثات وقد ... جرّبت فيها أعاجيبا من الزمن
جربت فيما خلا ما حنكتك به ... يد التجارب حتى العمر منك فني
فأصبح الشيب فاش في العذار وهل ... من بعد ذلك من أمر لذي فطن
سارت بقلبك أظعان هوادجها ... فيها حرائر لم تبذل ولم تهن
نواهد قاصرات الطرف إن طرقت ... وهنا عليك أزالت لذة الوسن
وربّ جارية فيها إذا انتسبت ... تعزى إلى خير بطن من بني الحسن
تسقيك من يدها في القحف صافية ... حمراء تنسيك طعم الخمر واللبن
قست عليك فأضحى قلبها حجرا ... فاخضع لتحرز حسن الوصل فامتتن
تشتمّ من ثغرها مسكا إذا فتقت ... نوافج المسك شابته ولم تزن
دع ذا وكن بالذي أوصيك محتفظا ... إن كنت حرا فخذ وصلا بلا ثمن
اصبر لطارق أيام نوازلها ... تزعزع الطّود من ثهلان أو حضن
وإن جرى قدر فيها بنازلة ... ساءت فعن قدر يأتيك بالحسن
لا تلو رأسك للأضياف إن طرقوا ... واخفض جناحك من ذلّ لهم ولن