أنه أحذق الناس بالقمار وأعرفهم به، فهذا ما لا ضرر عليك فيه، وتكون قد بررتني بقبولك قولي. فحلف له الغلام على ذلك، وتوثق منه بجهده. ثم مات الشيخ، واستولى الغلام على أمواله، وحازها، وشرع فيما يحبّ، وجعل يسأل عن أحذق الناس به، فدلّ على رجل بالكرخ، فجاءه وسأله أن يلاعبه. فقال: ما بيني وبينك من المودة ما يقتضي هذا فما سبب اختيارك ملا عبتي من دون الناس؟ فخبره بوصية أبيه واليمين التي أخذها عليه. فقال له: إذا كان الأمر على هذا فلا يجوز لك اللعب معي، فإن أستاذي بواسط وهو أحذق مني، ومنه تعلمت فسر إليه. فانحدر إلى واسط فلقي كهلا من الرجال محارفا ضيّق المعيشة، فسأله الملاعبة فجرى الأمر معه كما جرى مع الأول. فقال له: لا يحلّ لك ملاعبتي، فإن أستاذي وأستاذ الناس كلهم بالبصرة، فامض إليه، وبرّ يمينك. فسار الغلام حتى دخل البصرة، وسأل عن الرجل فدلّ عليه فوجده يوقد في بعض أتاتين الحمامات، فسلّم عليه، وسأله الملاعبة، فقال: دعني حتى أتفرغ مما أنا بصدده، فجلس ينتظره حتى إذا تمّ أخذه ودخل إلى منزله، فوجده على غاية الحرفة والشّعث وسوء الحال، ومدّ يده فأخذ آلة القمار وهي في زاوية البيت قد علاها الغبار، ثم قال له: يا ولدي، أضاقت الدنيا عليك ما وجدت غيري يلاعبك؟ فأخبره بالقصة، فرمى الشيخ الفصّ من يده، وأفكر ساعة، ثم قال: يا ولدي أتدري ما أراد والدك بما أحلفك عليه؟ فقال: لا. قال:
إنه أراد أن يعرفك أن مثلي وهو أستاذ الدنيا في هذا الشأن يوقد في الأتون، ومنزله وحاله كما ترى. وإن عاقبة أمرك تصير إلى الوقيد في الحمام. فارتدع يا ولدي، وانظر فيما تصلح به أمر دنياك. قال فانتفع الغلام بذلك، وتاب إلى الله منه، وراجع التجارة في دكان أبيه وصلح حاله. وكذا يا مصدق أنا، وأنت تتبعني وتضجرني حتى تصير مثلي، وأنا بزعمك شيخ الدنيا، فأيش أعجبك من أحوالي واكتسابي:
أحشمي؟ أغلماني؟ أدوري أم عقاري؟ اعلم يا ولدي أنّ طلب النحو أكثر من إصلاح اللسان حرفة.
قال الشيخ أبو محمد: قصدت الغريّ في بعض الأعوام لزيارة مشهد أمير المؤمنين علي، عليه السلام، وكان خروجنا من الحلّة السيفية، وكان في الصحبة علويّ يعرف بابن الشوكية، وهو من سكان المشهد، وكان نعم المصاحب، فنزل بنا