غرضه ولا ارتاض [في كتبه] . ومال أوّلا النظر به في الفقه إلى رأي محمد بن إدريس الشافعيّ رحمه الله، وناضل عن مذهبه وانحرف عن مذهب سواه حتى وسم به ونسب إليه، فاستهدف بذلك لكثير من الفقهاء وعيب بالشذوذ، ثم عدل في الآخر إلى قول أصحاب الظاهر مذهب داود بن علي ومن اتبعه من فقهاء الأمصار، فنقّحه ونهجه وجادل عنه ووضع الكتب في بسطه وثبت عليه إلى أن مضى لسبيله، رحمه الله.
وكان يحمل علمه هذا ويجادل من خالفه فيه، على استرسال في طباعه ومذل بأسراره واستناد إلى العهد الذي أخذه الله على العلماء من عباده لتبيّننّه للنّاس ولا تكتمونه، لم يك يلطّف صدعه بما عنده بتعريض، ولا يزفّه بتدريج، بل يصكّ به معارضه صكّ الجندل، وينشقه متلقيه «١» إنشاق الخردل، فينفر «٢» عنه القلوب، ويوقع به الندوب، حتى استهدف إلى فقهاء وقته فتمالأوا على بغضه وردّ أقواله «٣» ، فأجمعوا على تضليله وشنعّوا عليه، وحذروا سلاطينهم من فتنته «٤» ، ونهوا عوامّهم عن الدنّو إليه والأخذ عنه، وطفق الملوك يقصونه عن قربهم ويسيّرونه عن بلادهم إلى أن انتهوا به [إلى] منقطع أثره بتربة بلده من بادية لبلة، وبها توفي رحمه الله سنة ست وخمسين وأربعمائة، وهو في ذلك غير مرتدع ولا راجع إلى ما أرادوا به، يبثّ علمه فيمن ينتابه من بادية بلده من عامة المقتبسين منهم من أصاغر الطلبة الذين لا يخشون فيه الملامة، يحدّثهم ويفقههم ويدار سهم ولا يدع المثابرة على العلم والمواظبة على التأليف والإكثار من التصنيف حتى كمل من مصنفاته في فنون من العلم وقر بعير لم يعد أكثرها عتبة باديته «٥» لتزهيد الفقهاء طلاب العلم فيها حتى لأحرق بعضها باشبيلية ومزّقت علانية، لا يزيد مؤلفها في ذلك إلا بصيرة في نشرها وجدالا للمعاندة «٦» فيها، إلى أن مضى لسبيله.