وأكثر معايبه- زعموا- عند المنصف له جهله بسياسة العلم التي هي أعوص من إتقانه «١» ، وتخلفه عن ذلك على قوة سبحه [في] غماره «٢» ، وعلى ذلك كلّه فلم يكن بالسليم من اضطراب رأيه ومغيب شاهد علمه عنه عند لقائه إلى أن يحرّك بالسؤال فيفجر منه بحر علم لا تكدّره الدلاء ويقصّر عنه الرّشاء، له على كلّ ما ذكرنا دلائل ماثلة وأخبار مأثورة.
وكان مما يزيد في شنآنه تشيعه لأمراء بني أمية، ماضيهم وباقيهم، بالشرق والأندلس، واعتقاده لصحة إمامتهم وانحرافه عن سواهم من قريش حتى نسب إلى النّصب «٣» لغيرهم.
وقد كان من غرائبه انتماؤه في فارس واتباع أهل بيته له في ذلك بعد حقبة من الدهر تولّى فيها أبوه الوزير المعقّل في زمانه الراجح في ميزانه أحمد بن سعيد بن حزم لبني أمية أولياء نعمته لا عن صحّة ولاية لهم عليه، فقد عهده الناس خامل الأبوة مولّد الأرومة من عجم لبلة جدّه الأدنى حديث الاسلام «٤» لم يتقدم لسلفه نباهة، فأبوه أحمد على الحقيقة هو الذي بنى بيت نفسه في آخر الدهر برأس رابية، وعمّده بالخلال الفاضلة من الرجاحة والمعرفة والدهاء والرجولة والرأي، فاغتدى جرثومة سلف لمن نماهم أغنتهم عن الرسوخ في أول السابقة، فما من شرف إلا مسبوق «٥» عن خارجية، ولم يكن إلا كلا ولا «٦» حتى تخطى عليّ هذا رابية لبلة فارتقى قلعة إصطخر من أرض فارس، فالله أعلم كيف ترقاها إذ لم يكن يؤتى من خطل ولا جهالة، بل وصله بها وسع علم وشجنة «٧» رحم معقومة بلّها بمستأخر الصلة، رحمه الله؛ فتناهت حاله مع فقهاء عصره إلى ما وصفته، وحسابه وحسابهم على الله