وأبا نصر طاهر بن محمد الوزيري وأبا الحسن الرخّجي، وهؤلاء كانوا فرسان البلاغة وأئمة اللغة، وسمع أبا العباس الأصمّ وروى عنه، واستخلفه الأستاذ أبو بكر الخوارزمي على درسه عند غيبته، وله المصنفات الكبار والاستدراكات على الفحول من العلماء باللغة والنحو، وكنت قد لازمته سنين أدخل عليه عند طلوع الشمس وأخرج لغروبها، أسمع وأقرأ وأعلّق وأحفظ وأبحث وأذاكر أصحابه ما بين طرفي النهار.
وقرأت عليه الكثير من الدواوين واللغة حتى عاتبني شيخي رحمه الله يوما وقال: إنك لم تبق ديوانا من الشعر إلا قضيت حقه، أما آن لك أن تتفرّغ لتفسير كتاب الله العزيز تقرأه على هذا الرجل الذي يأتيه البعداء من أقصى البلاد وتتركه أنت على قرب ما بيننا من الجوار- يعني الأستاذ الامام أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي، فقلت: يا أبت إنما أتدرج بهذا إلى ذلك الذي تريد، وإذا لم أحكم الأدب بجدّ وتعب، لم أرم في غرض التفسير من كثب، ثم لم أغبّ زيارته يوما من الأيام، حتى حال بيننا قدر الحمام.
وأما النحو فإني لما كنت في ميعة صباي وشرخ شبيتي وقعت إلى الشيخ أبي الحسن علي بن محمد بن إبراهيم الضرير، وكان من أبرع أهل زمانه في لطائف النحو وغوامضه، وأعلمهم بمضايق طرق العربية وحقائقها، ولعله تفرّس فيّ وتوسّم الخير لديّ، فتجرّد لتخريجي، وصرف وكده إلى تأديبي، ولم يدّخر عني شيئا من مكنون ما عنده حتى استأثرني بأفلاذه، وسعدت به أفضل ما سعد تلميذ بأستاذه، وقرأت عليه جوامع النحو والتصريف والمعاني، وعلقت عنه قريبا من مائة جزء في المسائل المشكلة، وسمعت منه أكثر مصنفاته في النحو والعروض والعلل، وخصّني بكتابه الكبير في «علل القراءة المرتبة في كتاب الغاية» لابن مهران. ثم ورد علينا الشيخ أبو عمران المغربي المالكي، وكان واحد دهره وباقعة عصره في علم النحو، لم يلحق أحد ممن سمعنا شأوه في معرفة الاعراب، ولقد صحبته مدة في مقامه عندنا حتى استنزفت غرر ما عنده.
وأما القرآن وقراءات أهل الأمصار واختيارات الأئمة فإني اختلفت إلى الأستاذ أبي القاسم علي بن أحمد البستي رحمه الله، وقرأت عليه القرآن ختمات كثيرة لا تحصى، حتى قرأت عليه أكثر طريقة الأستاذ أبي بكر أحمد بن الحسين بن مهران،