أسرفت في استحسان هذا البيت، وهو كذاك، فأين موضع الصنعة فيه؟ فقلت له ذاك، فقال: قوله «وكانت قذى عينيه» ، فعدت إليه وعرّفته، فقال: عد إليه فقل له: أخطأت، الصنعة في قوله «من حيث يخفى مكانها» .
قال عبيد الله الفقير إليه مؤلف هذا الكتاب: وقد أصاب كلّ واحد منهما حاقّة الغرض، فإن الموضعين معا غاية في الحسن، وان كان ما ذهب إليه أبو الفرج أحسن.
قال أبو الفرج في «كتاب الغرباء»«١» : وخرجت أنا وأبو الفتح أحمد بن إبراهيم بن علي بن عيسى رحمه الله ماضيين إلى دير الثعالب في يوم ذكر أنه من سنة خمس وخمسين وثلاثمائة للنزهة، ومشاهدة اجتماع النصارى هناك، والشرب على نهر يزدجرد الذي يجري على باب هذا الدير، ومعه جماعة من أولاد كتّاب النصارى من أحداثهم، وإذا بفتاة كأنها الدينار المنقوش تتمايل وتنثني كغصن الريحان في نسيم الشمال، فضربت بيدها إلى يد أبي الفتح وقالت: يا سيدي تعال اقرأ هذا الشعر المكتوب على حائط هذا الشاهد «٢» فمضينا معها وبنا من السرور بها وبظرفها وملاحة منطقها ما الله به عليم، فلما دخلنا البيت كشفت عن ذراع كأنه الفضة وأومأت إلى الموضع فإذا فيه مكتوب:
خرجت يوم عيدها ... في ثياب الرواهب
فتنت «٣» باختيالها ... كلّ جاء وذاهب
لشقائي رأيتها ... يوم دير الثعالب
تتهادى بنسوة ... كاعب في كواعب
هي فيهم كأنها ال ... بدر بين الكواكب
فقلت لها: أنت والله المقصودة بهذه الأبيات، ولم نشكّ أنها كتبت الأبيات، ولم نفارقها بقية يومنا، وقلت فيها «٤» هذه الأبيات وأنشدتها إياها ففرحت: