دجا ليل آمالي وأبطأ صبحه ... وللمنذرات السود فيه نعيب
وتلسعني الأيام فهي أراقم ... وتخدعني الآمال فهي كذوب
ألا ليت شعري هل أبيتنّ ليلة ... وباعي في ظلّ الوصال رحيب
خليلي لا تركن إلى الدهر آمنا ... فاحسانه بالسيئات مشوب
وكم جاهل قد قال لي أنت ناقص ... فهيّج ليث الحقد وهو غضوب
وعيّرني بالعلم والحلم والنهى ... قبائل من أهل الهوى وشعوب
فقلت لهم لا تعذلوني فانني ... لصفو زجاجات العلوم شروب
وما ضرّني أني عليم بمشكل ... وقد مسّ أهل الدهر منه لغوب
لئن عدّ علم المرء جرما لديكم ... فذلك جرم لست منه أتوب
كفى حزنا أني مقيم ببلدة ... بها صاحب العلم الرصين غريب
وذكر أيضا في هذا الكتاب قال: دخلت على الأمير يعقوب بن إسحاق المظفر بن نظام الملك فأكرمني وقابلني بالتعظيم والتفخيم، فقلت بديهة:
يعقوب يظهر دائما في لفظه ... عسلا لديه نظمه يعسوبه
وغدا بحمد الله صدرا مكرما ... يعلو نطاق المشتري عرقوبه
فسقى أنامله حدائق لفظه ... وجرى على نهج العلا يعبوبه
قد غاب يوسف خاطري عن مصره ... ويشمّ ريح قميصه يعقوبه
فأشار إليّ وقال: هل لك أن تنسج على منوالي في ما قلت، فأنشدني لنفسه:
أعاذل مهلا ليس عذلك ينفع ... وقولك فينا دائما ليس ينجع
وهل يصبر الصبّ المشوق على الجوى ... وفي الوصل مشتاق وفي الهجر مجزع
يقولون إن الهجر يشفي من الجوى ... وإنّ فؤاد الصبّ في القرب أجزع
بكلّ تداوينا فلم يشف ما بنا ... ألا إن قرب الدار أجدى وأنفع
تحنّ إلى ظلّ من العيش وارف ... وعهد مضى منه مصيف ومربع
فقلت: أيها الصدر ليس للخلّ حلاوة العسل، وللتكحّل طلاوة الكحل، ومن أين للسراج نور الشمس، وللكودن سبق الخيل الشّمس، ومن أين للضباب منفعة