وحدث الخالع قال حدثني أبو الحسين الناشىء قال: كنت بالكوفة في سنة خمس وعشرين وثلاثمائة وأنا أملي شعري في المسجد الجامع بها والناس يكتبونه عني، وكان المتنبي إذ ذاك يحضر معهم، وهو بعد لم يعرف ولم يلقب بالمتنبي، فأمليت القصيدة التي أولها:
بآل محمد عرف الصواب ... وفي أبياتهم نزل الكتاب
وقلت فيها:
كأن سنان ذابله ضمير ... فليس عن القلوب له ذهاب
وصارمه كبيعته بخمّ ... مقاصدها من الخلق الرقاب
فلمحته يكتب هذين البيتين، ومنها أخذ ما أنشدتموني الآن من قوله «١» :
كأن الهام في الهيجا عيون ... وقد طبعت سيوفك من رقاد
وقد صغت الأسنة من هموم ... فما يخطرن إلا في فؤاد
قال الخالع وأصل هذا لأبي تمام «٢» :
من كلّ أزرق نظّار بلا نظر ... إلى المقاتل ما في متنه أود
كانه كان ترب الحبّ مذ زمن ... فليس يعجزه قلب ولا كبد
وعليه وضع المتنبي، وسبق إلى ذلك ديك الجن أيضا في قوله «٣» :
فتى ينصبّ في ثغر القوافي ... كما ينصبّ في المقل الرقاد
وأبيات المتنبي أمثل من الجميع إذا تركت العصبية.
قال ابن عبد الرحيم حدثني الخالع قال: كنت مع والدي في سنة ست وأربعين وثلاثمائة وأنا صبي في مجلس الّلبوديّ في المسجد الذي بين الورّاقين والصاغة وهو غاصّ بالناس، وإذا رجل قد وافى وعليه مرقّعة وفي يده سطيحة وركوة ومعه عكاز وهو شعث، فسلم على الجماعة بصوت يرفعه ثم قال: أنا رسول فاطمة الزهراء صلوات