الله عليها، فقالوا: مرحبا بك وأهلا ورفعوه، فقال: أتعرفون لي أحمد المزوق النائح؟ فقالوا: ها هو جالس، فقال: رأيت مولاتنا عليها السلام في النوم فقالت لي امض إلى بغداد واطلبه وقل له نح على ابني بشعر الناشىء الذي يقول فيه:
بني أحمد قلبي لكم يتقطّع ... بمثل مصابي فيكم ليس يسمع
وكان الناشىء حاضرا، فلطم لطما عظيما على وجهه وتبعه المزوق والناس كلّهم، وكان أشدّ الناس في ذلك الناشىء ثم المزوق، ثم ناحوا بهذه القصيدة في ذلك اليوم إلى أن صلّى الناس الظهر وتقوض المجلس وجهدوا بالرجل أن يقبل شيئا منهم فقال: والله لو أعطيت الدنيا ما أخذتها فإنني لا أرى أن أكون رسول مولاتي عليها السلام ثم آخذ عن ذلك عوضا، وانصرف ولم يقبل شيئا. قال: ومن هذه القصيدة وهي بضعة عشر بيتا:
عجبت لكم تفنون قتلا بسيفكم ... ويسطو عليكم من لكم كان يخضع
كأنّ رسول الله أوصى بقتلكم ... فأجسامكم في كلّ أرض توزّع
قال وحدثني الخالع قال: اجتزت بالناشىء يوما وهو جالس في السرّاجين فقال لي: قد عملت قصيدة وقد طلبت وأريد أن تكتبها بخطك حتى أخرجها فقلت: أمضي في حاجة وأعود، وقصدت المكان الذي أردته وجلست فيه فحملتني عيني فرأيت في منامي أبا القاسم عبد العزيز الشطرنجي النائح، فقال لي: أحبّ أن تقوم فتكتب قصيدة الناشىء البائيّة فانا قد نحنا بها البارحة في المشهد، وكان هذا الرجل قد توفي وهو عائد من الزيارة، فقمت ورجعت إليه وقلت: هات البائية حتى أكتبها، فقال:
من أين علمت أنها بائية وما ذاكرت بها أحدا؟! فحدثته بالمنام فبكى وقال: لا شك أن الوقت قد دنا، فكتبتها فكان أولها:
رجائي بعيد والممات قريب ... ويخطىء ظنّي والمنون تصيب
ومن شعر الناشىء:
وليل توارى النجم من طول مكثه ... كما ازورّ محبوب لخوف رقيبه
كأنّ الثريا فيه باقة نرجس ... يجيء بها ذو صبوة لحبيبه