وستين وثلاثمائة لأربع بقين من المحرم ضبط أبو الفتح ذو الكفايتين الأمر أحسن ضبط وسكّن العسكر وفرّق فيهم مال البيعة، وكان مطاعا في الديلم محببا إليهم كثير الإفضال عليهم، وبادر بالخبر إلى مؤيد الدولة وهو باصفهان، فورد الري ومعه وزيره الصاحب أبو القاسم إسماعيل بن عباد يوم السبت لثلاث خلون من صفر وجلس للتعزية ثم انتصب في مكان أبيه، وكانت له هيبة وسياسة وفيه سخاء وسماحة، وخلع على أبي الفتح ابن العميد ذي الكفايتين خلع الوزارة وفوّض إليه الأمر يوم الأربعاء لخمس خلون من شهر ربيع الأول، وكان الصاحب يرغب أن يقيم بالري ويخلفه فلم يأمن أبو الفتح جانبه وضرب الحجاب الشديد بينهما، وخوّفوه منه لمحلّه من الصناعة ولمكانه من قلب مؤيد الدولة، فأراد إبعاده عن الحضرة ليتمكن من الايقاع به إن أراد ذلك، وأشار على مؤيد الدولة بأن يردّه إلى أصفهان ليدبر أعمالها والمقام بها، فخلع عليه على رسم الوزارة القباء والسيف والمنطقة وما يجري مع ذلك، وخرج يوم الأحد لثمان خلون من شهر ربيع الأول سنة ست وستين وثلاثمائة، وأخذ مؤيد الدولة في التدبير على ابن العميد والاحتيال للقبض عليه، ولم يكن يقدم على ذلك لمحلّ الرجل في قلوب الديلم وانصبابهم بمودتهم إليه وإخلاصهم في الموالاة إليه، وكان ذلك أقوى الدواعي لمحنته وآكد أسباب نكبته، فإنه كان مقتبل الشباب قليل التجارب غير مفكر في العواقب قد ولد في النعمة الضخمة ونشأ فيها، وخلف أباه وله دون خمس عشرة سنة، وتولى الوزارة وله إحدى وعشرون سنة، واعتاد خدمة الأمراء والقواد ومثولهم بين يديه وتنافسهم في خدمته، وكان يركب إلى الصيد وإلى الميدان لضرب الصوالجة فيتبعه أكثر أكابر الحضرة فيترجلون له ويمشون بين يديه، ثم يضيف في أكثر أيامه جماعة منهم فيخلع عليه أنواع الخلع النفسية ويحملهم على الدوابّ الفره بالمراكب الثقيلة، وكان ركن الدولة يرخص له في ذلك ويعجبه منه، فإنه كان تربيته وابن من طالت له صحبته وخدمته، فلما انتقل الأمر إلى مؤيد الدولة لم يصبر عليه، وكانت الأمور أيضا بعد على غاية من الاضطراب فلم يسكن إليه، وذلك أنّ فخر الدولة كان مداجيا لأخويه، وكان أحبّ إلى الديلم منهما فلم يأمناه وكان عز الدولة مكاشفا بالخلاف وبينه وبين ابن العميد ما قدمنا ذكره من المصافاة فاسترابا به، واجتمع إلى هذه الأحوال ما ذكرناه من حنق عضد الدولة عليه مما قدّمه في حقه عند كونه ببغداد،