وامتدت العين إلى ضياعه وأمواله وخزائنه وأسبابه ودوره وعقاره وبساتينه، فإنه كان يملك من ذلك ما يملأ العين ويفوت الوهم، فراسل عضد الدولة أخاه مؤيد الدولة على لسان أبي نصر خواشاذه المجوسي، وكان من ثقاته وأماثل أصحابه، بالقبض عليه، بعد أن يوافق عليّ بن كامة على أمره، ليؤمن ناحية العسكر وثوبهم بمكانه، وجعلوا يجيلون الرأي أياما، ويركب خواشاذه إلى عليّ بن كامة ليلا ويجاريه في ذلك إلى أن اتفقوا يوم السبت سادس عشر شهر ربيع الآخر على القبض عليه عند بكوره من الغد إلى الدار، وكان عشية هذا اليوم خواشاذه عند علي بن كامة ولا بن العميد ضيافة قد اجتمع فيها جماعة من القوّاد، فارتاب مؤيد الدولة بالأمر وقدّر أنه قد أحسّ بالسرّ وجمع الديلم لتدبير عليه وامتناع منه، فلما عاد إلى عنده خواشاذه أمره أن يلم بابن العميد ليتفرّس فيه وفي المجتمعين عنده ما هو بصدده، فدخل عليه والرجل مشتغل بقصفه متوفر على طربه، فتأمله وعاد، وأراد أن يحبسه عنده فامتنع ورجع إلى الدار، فقال لمؤيد الدولة: الرجل غارّ غافل فلا يهمنك أمره. وبكّر ابن العميد سحرا إلى دار الامارة، وكان الرسم إذ ذاك أن يحضروها بالشموع والمشاعل قبل الصباح، فلما وصل إلى مؤيد الدولة تقدم إليه علي بن كامة وكلمه في حاجة له فوعده بها فقال: قد وعدتني بها غير مرة ولم تقضها، وأخذ بيده فجذبه من مكانه، وكان قد كمن له في الممرّ جماعة من خواصّ الديلم وثقات مؤيد الدولة، فعاونوه على إخراجه من ذلك البيت وإدخاله إلى حجرة هناك وتقييده، وذلك في يوم الأحد سابع شهر ربيع الآخر، وأدخلت عليه الشهود فشهدوا عليه ببيع أملاكه جميعها وضياعه ومستغلّاته من مؤيد الدولة، فلما حضر العدول أخرج إليهم كتابا كان كتبه بطلاق امرأته ابنة جستان وأشهدهم طائعا على نفسه بذلك، وقيل إنه إنما فعل ذلك خوفا من مؤيد الدولة أن يفضحه فيها، فأراد أن ينفصل منها وتبين منه لئلا يلزمه العار فيها، ولما حضروا للعقد بالبيع كشف للعدول عن قيده وأقرّ بالبيع، ثم اتفق أن أفرج عن محبوس كان في الدار، فعدا غلام له مستبشرا وقال: قد أفرج عن الأستاذ، يريد أستاذ نفسه، وصكّت الكلمة أسماع العامة فتباشروا وظنوا أنه قد أفرج عن أبي الفتح، وصارت البلدة صيحة واحدة، واجتمع من أهل البلد على باب السلطان وميدانه وفي داره ما غصّت به الأماكن وامتلأت منهم الشوارع والمساكن، وركب الديلم بأجمعهم