مستبشرين، وتلقوه على زعمهم في الخدمة فرحين، ورأى مؤيد الدولة من ذلك ما هاله وقدّر أنّ العسكر قد ركب لاستنقاذه، فلما عرف حقيقة الحال سكن وأمر بطرد العامة، وأركب الحجاب لطرد القواد والديلم، وأنفذ في تلك الليلة ابن العميد إلى قلعة استوناوند، وقتل فيها بعد أيام وردّ رأسه.
قال الوزير أبو سعد: وسمعت الصاحب كافي الكفاة رحمه الله يذكر أمره فقال في أثناء كلامه: إن مؤيد الدولة قال لي عند خروجي إلى أصبهان: إن ورد عليك كتاب بخطي أو جاءك أجلّ حجّابي وثقاتي للاستدعاء فلا تبرح من أصفهان ولا تفارقها إلى أن يجيئك فلان الركابي فإنه إن اتجهت لي حيلة على هذا الرجل وأمكنني الله من القبض عليه بادرت به إليك، وهو العلامة بيني وبينك، قال: فاستعظمت لحداثة سنّي وغرة الصبا وقلة التجربة ما حكاه الصاحب من قول مؤيد الدولة «ان اتجهت لي حيلة على هذا الرجل» وتعجبت منه، وأردت الغضّ من أبي الفتح والتقرب بذلك إلى الصاحب فقلت: وكأنّ لأبي الفتح من القدر أن يصعب حبسه أو يحتاج صاحبه إلى الاحتيال معه؛ فانتهرني الصاحب وقال: يا فلان أنت صبيّ تحسب أن القبض على الوزراء سهل، ففطنت أنه يريد الرفع من شأن الوزارة وتفخيم أمرها فعدلت عن كلامي الأوّل إلى غيره.
قال أبو حيان «١» حدثني أبو الطيب الكيمائي قال: قلت لأبي الفضل بعد أن سمّ الحاجب النيسابوري، وبعد أن خطب على حمد، ودسّ إلى ابن هند وغيرهم من أهل الكتابة والمروءة والنعم: لو كففت فقد أسرفت، فقال: يا أبا الطيب أنا مضطر، قال فقلت: وأي اضطرار هاهنا، والله إن مخادعتنا لأنفسنا في ضرّنا ونفعنا لأعجب من مكابرة غيرنا لنا في خيرنا وشرنا، وهذا والله رين القلوب وصدأ «٢» العقل وفساد الاختيار وكدر النفس وسوء العادة وعدم التوفيق، فقال: يا أبا الطيب أنت تتكلم بالظاهر وأنا أحترق في الباطن، قال فقلت: إن كان عذرك في هذه السيرة المخالفة لأهل الديانة وأصحاب الحكمة قد بلغ هذا الوضوح والجلاء فإنك معذور عندنا،