ولعلك أيضا مأجور عند الله مالك الجزاء، وإن كنت تعلم حقيقة ما تراجعني عليه القول وتناقلني به الحجاج إنك من الخاسرين الذين باءوا بغضب من الله على مذاهب الناس أجمعين، فبكى فقلت له: البكاء لا ينفع إن كان الاقلاع ممكنا، والندم لا يجدي متى كان الإصرار قائما، هذا كله بسبب ابنك أبي الفتح، والله إن أيامه لا تطول، وإن عيشه لا يصفو، وإن حاله لا يستقيم، وله أعداء لا يتخلص منهم، وقد دلّ مولده على ذلك، وانك لا تدفع عنه قضاء الله وهو لا يغني عنك من الله شيئا، فعليك بخويّصة نفسك.
قال أبو حيان «١» وقد ذكر ابن عباد وأبا الفضل بن العميد ثم قال: وأما أبو الفتح ذو الكفايتين فإنه كان شابا ذكيا متحركا حسن الشعر مليح الكتابة كثير المحاسن ولم يظهر كل ما كان في نفسه «٢» لقصر أيامه واشتعال دولته وطفئها بسرعة. ومن شعره:
وله «٤» كلام كثير نظم ونثر، وله في صفة الفرس ما يوفي على كلّ منظوم، ولو أبقته الأيام لظهر منه كل فضل كبير. ودخل بغداد فتكلّف واحتفل، وعقد مجالس مختلفة للفقهاء يوما وللأدباء يوما وللمتكلمين يوما وللمتفلسفين يوما، وفرق أموالا خطيرة، وتفقد أبا سعيد السيرافي وعلي بن عيسى الرماني وغيرهما، وعرض عليهما المسير معه إلى الري ووعدهم ومنّاهم وأظهر المباهاة بهم، وكذلك خاطب أبا الحسن ابن كعب الأنصاري وأبا سليمان السجستاني المنطقي وابن البقال الشاعر وابن الأعرج النمري وغيرهم، ودخل شهر رمضان فاحتشد وبالغ ووصل ووهب، فجرت في هذه المجالس غرائب العلم وبدائع الحكمة، وخاصة ما جرى «٥» مع أبي الحسن