للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والله لا تجاورني في بلد السرير وبحضرة التدبير وخلوة الأمير، ولا يكون لك إذن عليّ ولا عين عندي، وليس لك منّي رضى إلا بالعود إلى مكانك من أصبهان والسلوّ عما تحدّث به نفسك. فخرج ابن عباد من الرّيّ على صورة قبيحة متنكرا بالليل، وذلك أنه خاف الفتك والغيلة، وبلغ أصبهان وألقى عصاه بها ونفسه «١» تغلي وصدره يفور، والخوف شامل والوسواس غالب، وهمّ أبو الفتح بانفاذ من يطالبه ويؤذيه ويهينه ويعسفه فأحسّ هو بالأمر، فحدثني أبو النجم قال: عمل على ركوب المفازة إلى نيسابور لما ضاق عطنه واختلف على نفسه ظنّه، وإنه لفي هذا وما أشبهه حتى بلغهم أن خراسان قد أزمعت الدلوف إليهم وتشاورت في الاطلال عليهم، فقال الأمير لأبي الفتح، ما الرأي وقد نمي إلينا ما تعلم من طمع خراسان في هذه الدولة بعد موت ركن الدولة؟

فقال أبو الفتح: ليس الرأي إليّ ولا إليك ولا الهم عليّ ولا عليك، هاهنا من يقول لك: أنت خليفتي، ويقول لي: أنت كاتب خليفتي، يدبر هذا بالمال والرجال، وهو الملك عضد الدولة أخوك، قال: فاكتب إليه وأشعره وأشع ما قد منينا به وأشهره وسله يداوي هذا الداء، فكتب أبو الفتح وتلطف، فصدر في الجواب: إن هذا لأمر عجاب: رجل مات وخلف مالا وله ابن فلم يحمل إليه من ارثه شيء، زويا عنه واستئثارا دونه، ثم يخاطب بأن يغرم شيئا آخر من عنده قد كسبه بجهده وجمعه بسعيه وكدحه؟! هذا والله حديث لم نسمع بمثله، ولئن استفتي الفقهاء في هذا لم يكن عندهم منه بتة إلا التعجب والاستطراف ورحمة هذا الوارث المظلوم من وجهين:

أحدهما أنه حرم ماله بحقّ الارث، والآخر أنه يطالب باخراج ما ليس عليه، وإن شاء حاكمت كل من سام هذا إلى من يرضى به. فلما سمع مؤيد الدولة هذا قال لأبي الفتح: ما ترى؟ قال: قد قلت وليس لي قول سواه، هذا الرجل هو الملك والمدبر والمال كلّه ماله، والبلاد بلاده، والجند جنده، والكلّ له، والاسم والجلالة عنده، وليس هاهنا إرث قد زوي عنه، ولا مال استؤثر به دونه، والنادرة لا وجه لها في أمر الجدّ وفيما لا تعلق له باللعب، أما خراسان فكانت مذ عشرين سنة تطالبنا بالمال وتهددنا بالمسير والحرب، ونحن مرة نحارب ومرة نسالم، وفي خلال ذلك نفرق

<<  <  ج: ص:  >  >>