المال بعد المال على وجوه مختلفة، فاحسب أن ركن الدولة حيّ باق هل كان له إلا أن يدبر بماله ورجاله وذخائره وكنوزه؟ أفليس هذا الحكم لازما لمن قام مقامه وجلس مجلسه وألقي إليه زمام الملك وأصدر عنه كل رأي؟ وهل علينا إلا الخدمة والنصرة والمناصحة بكلّ ما سهل وصعب كما كان عليه ذلك بالأمس من جهة الماضي؟ فقال مؤيد الدولة: إنّ الخطب في هذا أراه يطول والكلام يتردد والمناظرة تربو والفريضة تعول والفرصة تفوت والعدوّ يستمكن، وأرى في الوقت أن نذكر وجها للمال حتى نحتجّ به ثم نستمدّ في الثاني منه، ونرضي الجند في الحال، ونتحزم في الأمر ونظهر المرارة والشكيمة بالاهتمام والاستعداد حتى يطير الخبر إلى خراسان بجدنا واجتهادنا وحزمنا واعتمادنا، فيكون ذلك مكسرة لقلوبهم وحسما لأطماعهم وباعثا على تجديد القول في الصلح وردّ الحال إلى العادة المألوفة، فقال: نسأل الله بركة هذا الأمر فقد نشيت منه رائحة منكرة، ما أعرف للمال وجها، أما أنا فقد خرجت من جميع ما عندي مرة بما خدمت به الماضي تبرعا حدثان موت أبي، ومرة بما طالبني به سرّا وأوعدني بالعزل والاستخفاف من أجله، ومرة بما غرمت في المسير إلى العراق في نصرة الدولة، وهذه وجوه استنفدت قلّي وكثري وأتت على ظاهري وباطني، وقد غرمت إلى هذه الغاية ما إن ذكرته كنت كأني ممتنّ على أولياء نعمتي، وإن سكت كنت كالمتهم عند من يتوقّع عثرتي، فهذا هذا، وأما أموال النواحي فأحسن حالنا فيها أنا نرجئها في نواحيها مع النفقة الواسعة في الوظائف والمهمات التي تنوبنا، وأما العامة فلا أحوج الله إليها ولا كانت دولة لا تثبت إلا بها وبأوساخ أموالها، فقال مؤيد الدولة- وكان ملقنا-: هذا ابن كامة وهو صاحب الذخائر والكنوز والجبال والحصون، وبيده بلاد، وقد جمع هذا كله في دولتنا وحازه من مملكتنا وأيامنا وبدولتنا وهو جامّ ما شيك ومختوم ما فضّ مذ كان، ما تقول فيه؟ قال: ما لي فيه كلام فإن بيني وبينه عهدا ما أخيس به ولو ذهبت نفسي، فقال: اطلب منه القرض، قال: إنه يستوحش ويراه بابا من الغضاضة، وقدر القرض لا يبلغ قدر الحاجة، فان الحاجة ماسة إلى خمسمائة ألف دينار على التقريب، ونفسه أنفع لنا وأردّ علينا وأحصن لنا وإلينا من موقع ذلك المال، وبعد فرأيه وتدبيره واسمه وصيته فوق المطلوب منه. قال: وإذ ليس هاهنا وجه فليس بأس بأن يطالع الملك بهذا الرأي لتكون نتيجته من ثمّ، قال: أنا لا أكتب بهذا فإنه