غدر، قال: يا هذا فأنت كاتبي وصاحب سري والزمام في جمع أمري ولا سبيل إلى إخراج هذا الحديث إلى أحد من خلق الله، فإن أنت لم تتولّ حارّه وقارّه وغثّه وسمينه ومحبوبه ومكروهه فمن؟ قال: أيها الأمير لا تسمني الخيانة فإني قد أعطيته عهدا يذر الديار بلاقع، ومع اليوم غد، ولعن الله عاجلة تفسد الآجلة. فقال: إني لست أسومك أن تقبض عليه وأن تسيء إليه، أشر بهذا المعنى إلى الملك عضد الدولة وخلاك ذمّ، فإن رأى الصواب فيه تولّاه دونك، وإن أضرب عنه أعاضنا رأيا غير ما رأيناه، وأنت على حالك لا تنزل عنها ولا تبدّلها، وإنما الذي يجب عليك في هذا الوقت بين يديّ كتب حرفين: أنه لا وجه لهذا المال إلا من جهة فلان، ولست أتولى مخاطبته عليه ولا مطالبته به وفاء له بالعهد وثباتا على اليمين وجريا على الواجب، ولا أقل من أن تجيب إلى هذا القدر وليس فيه شيء مما يدلّ على النكث والخلاف والتبديل. وما زال هذا وشبهه يتردد بينهما حتى أخذ خطّه بهذا على أن يصدره إلى أخيه عضد الدولة بفارس، فلما حصل هذا الخط عنده وجنّ عليه الليل أحضر ابن كامة وقال له: أما عندك حديث هذا المخنّث فيما أشار به على الملك في بابك، وأورد عليه في حقّك وأمرك وإطماعه في مالك ونفسك وتكثيره عنده ما تحت يدك وناحيتك؟! فقال ابن كامة: هذا الفتى يرتفع عن هذا الحديث ولعلّ عدوّا قد كاده به، وبيني وبينه ما لا منفذ للسحر فيه ولا مساغ لظنّ سيء به، قال: ما قلت لك إلا بعد أن حققت ما قلت، ودع هذا كله في الريح، هذا كتابه إلى الملك بما عرّفتك، وخطّه بيده فيه، قال علي بن كامة: أنا لا أعرف الخطّ ولكن هاتوا كاتبي، فأحضر كاتبه الخثعمي فشهد أنّ الخط خطه، فحال علي بن كامة عن سجيته وخرج من مسكه وقال: ما ظننت بعد الأيمان المغلّظة التي بيننا أنه يستجيز مثل هذا، قال الأمير: أيها الرجل إنما أطلعك الملك على سرّ «١» هذا الغلام فيك لتعرف فساد ضميره لك وما هو عليه من هنات أخر وآفات هي أكبر، فانه هو الذي حرّك من بخراسان وكاتب صاحب جرجان وألقى إلى أخينا بهمذان- يعني فخر الدولة- أخبارنا، وهو عين لبختيار هاهنا، وقد اعتقد أنه يعمل في تحصيل هذه البلاد ويكون وزيرا بالعراق، فقد ذاق من بغداد ما لا يخرج من ضرسه إلا بنزع نفسه. وكان أبو نصر المجوسيّ قد قدم من عند الملك