ومن تعرف أيضا؟ قلت: ابن الجعابي الحافظ «١» يكنى بأبي حيان، رجل صدق وهو يروي عن التابعين. قال: ومن تعرف أيضا؟ قلت: روى الصوليّ فيما حدّثنا عنه المرزباني أن معاوية لما احتضر أنشد يزيد عند رأسه متمثلا:
لو أن حيا نجا لفات أبو ... حيان لا عاجز ولا وكل
الحوّل القلّب الأريب وهل ... يدفع صرف المنية الحيل
قال الصوليّ: وهذا كان من المعمرين المعقلين «٢» ، وانتهى الحديث من غير هشاشة ولا هزة ولا أريحية، بل على اكفهرار وجه ونبوّ طرف وقلة تقبل، وجرت أشياء أخر كان عقباها أني فارقت بابه سنة سبعين وثلاثمائة راجعا الى مدينة السلام بغير زاد ولا راحلة، ولم يعطني في مدة ثلاث سنين درهما واحدا ولا ما قيمته درهم واحد، احمل هذا على ما أردت. ولما نال مني هذا الحرمان الذي قصدني به، وأحفظني عليه، وجعلني من جميع غاشيته «٣» فردا أخذت أتلافى «٤» ذلك بصدق القول عنه وسوء الثناء عليه، والبادىء أظلم، وللأمور أسباب، وللأسباب أسرار، والغيب لا مطّلع عليه ولا قارع لبابه.
قال أبو حيان «٥» قال لي الصاحب يوما وهو يحدّث عن رجل أعطاه شيئا فتلكأ في قبوله:
ولا بدّ من شيء يعين على الدهر
ثم قال: سألت جماعة عن صدر هذا البيت فما كان عندهم ذلك، فقلت: أنا أحفظ ذاك، فنظر بغضب، فقال: ما هو؟ قلت: نسيت، فقال: ما أسرع ذكرك من نسيانك، قلت: ذكرته والحال سليمة فلما استحالت عن السلامة نسيت، قال: وما حيلولتها؟ قلت: نظر الصاحب بغضب، فوجب في حسن الأدب ألا يقال ما يثير الغضب، قال: ومن تكون حتى نغضب عليك؟ دع هذا وهات، قلت قول الشاعر: