ألام على أخذ القليل وإنما ... أصادف أقواما أقلّ من الذرّ
فإن أنا لم آخذ قليلا حرمته ... ولا بدّ من شيء يعين على الدهر
فسكت.
قال أبو حيان عند قربه من فراغ كتابه في ثلب الوزيرين، وقد حكى عن ابن عباد حكايات وأسندها إلى من أخبره بها عنه، ثم قال «١» : فما ذنبي أكرمك الله إذا سألت عنه مشايخ الوقت وأعلام العصر فوصفوه بما جمعت لك في هذا المكان؟ على أني قد سترت شيئا كثيرا من مخازيه إما هربا من الاطالة، أو صيانة للقلم عن رسم الفواحش وبث الفضائح وذكر ما يسمج مسموعه ويكره التحدث به، هذا سوى ما فاتني من حديثه فإني فارقته سنة سبعين وثلاثمائة. وما ذنبي إن ذكرت عنه ما جرّعنيه من مرارة الخيبة بعد الأمل، وحملني عليه من الاخفاق بعد الطمع، مع الخدمة الطويلة، والوعد المتصل، والظنّ الحسن، حتى كأني خصصت بخساسته وحدي أو وجب أن أعامل به دون غيري. قدّم إليّ نجاح الخادم، وكان ينظر في خزانة كتبه، ثلاثين مجلدة من رسائله وقال: يقول لك مولانا: انسخ هذا فإنه قد طلب منه بخراسان، فقلت بعد ارتياع: هذا طويل، ولكن لو أذن لي لخرجت منه فقرا كالغرر، وشذورا كالدرر، تدور في المجالس كالشمامات والدستنبويات، لو رقي بها مجنون لأفاق أو نفث على ذي عاهة لبرأ، لا تملّ ولا تستغث ولا تعاب ولا تسترك، فرفع ذلك إليه وأنا لا أعلم فقال: طعن في رسائلي وعابها، ورغب عن نسخها وأزرى بها؟! والله لينكرنّ مني ما عرف، وليعرفنّ حظه إذا انصرف، حتى كأني طعنت في القرآن، أو رميت الكعبة بخرق الحيض، أو عقرت ناقة صالح، أو سلحت في بئر زمزم، أو قلت كان النظام مأبونا «٢» ، أو مات أبو هاشم في بيت خمار، أو كان عباد معلم صبيان. وما ذنبي يا قوم إذا لم أستطع أن أنسخ ثلاثين مجلدة من هذا الذي يستحسن هذا التكليف «٣» حتى أعذره في لومي على الامتناع؟ أينسخ إنسان هذا القدر وهو يرجو بعدها أن يمتّعه الله ببصره أو ينفعه ببدنه؟ ثم ما ذنبي إذا قال لي: من أين لك هذا الكلام المفوّف المشوف الذي تكتب به إليّ في الوقت بعد الوقت، فقلت: وكيف لا