يكون كما وصف وأنا أقطف ثمار رسائله، وأستقي من قليب علمه، وأشيم بارقة أدبه، وأرد ساحل بحره، وأستوكف قطر مزنه، فيقول: كذبت وفجرت لا أم لك، ومن أين في كلامي الكدية والشحذ والتضرع والاسترحام؟! كلامي في السماء وكلامك في السماد. هذا أيدك الله وإن كان دليلا على سوء جدي فإنه دليل أيضا على انخلاعه وخرقه وتسرّعه ولؤمه، وانظر كيف يستحيل معي عن مذهبه الذي كان هو عرقه النابض وسوسه الثابت وديدنه المألوف. وهلّا أجراني مجرى التاجر المصري والشاذباشي «١» وفلان وفلان؟ بل ما ذنبي إذا قال لي: هل وصلت إلى ابن العميد أبي الفتح؟ فأقول: نعم رأيته وحضرت مجلسه وشاهدت ما جرى له، وكان من حديثه فيما مدح به كذا وكذا، وفيما تقدم منه كذا وكذا، وفيما تكلّفه من تقديم أهل العلم واختصاص أرباب الأدب كذا وكذا، ووصل أبا سعيد السيرافي بكذا وكذا، ووهب لأبي سليمان المنطقي كذا وكذا، فيزوي وجهه وينكر حديثه وينجذب «٢» إلى شيء آخر ليس مما شرع فيه ولا مما شرع فيه ولا مما حرك له، ثم يقول: أعلم أنك إنما انتجعته من العراق، فاقرأ عليّ رسالتك التي توسّلت إليه بها وأسهبت مقرظا له فيها فأتمانع، فيأمر ويشدّد، فأقرأها فيتغير «٣» ويذهل، وأنا أكتبها لك ليكون زيادة في الفائدة:
بسم الله الرحمن الرحيم، اللهم هيّء لي من أمري رشدا، ووفقني لمرضاتك أبدا، ولا تجعل الحرمان عليّ رصدا، أقول وخير القول ما انعقد بالصواب، وخير الصواب ما تضمّن الصدق، وخير الصدق ما جلب النفع، وخير النفع ما تعلّق بالمزيد، وخير المزيد ما بدأ عن الشكر، وخير الشكر ما بدأ عن إخلاص، وخير الإخلاص ما نشأ عن إيقان، وخير الايقان «٤» ما صدر عن توفيق: لما رأيت شبابي هرما بالفقر، وفقري غنى بالقناعة، وقناعتي عجزا عند أهل التحصيل، عدلت إلى الزمان أطلب إليه مكاني فيه وموضعي منه، فرأيت طرفه عني نابيا، وعنانه عن رضاي منثنيا، وجانبه في مرادي «٥» خشنا، وارتفاقي «٦» في أسبابه نائيا، والشامت بي على