قعد مع الحرم لم يكن له من يستريح إليه ويأنس به وقال: قد عزمت أن أدخل علي بن يحيى فأستريح إليه، فقال له الفتح: ما يصلح لذلك غيره، فبلغ ذلك علي بن يحيى فقال للفتح: أنا قدّرت أن أتخلّص من هذا بك فوكدت عليّ الأمر فيه؟ ليس أفعل.
فقال له الفتح: إن هذا الذي ندبك إليه أمير المؤمنين منزلة ليس فوقها منزلة في الخصوص، فقال: قد علمت ذلك، وشكرت تفضّل أمير المؤمنين عليّ فيه، ولكن في الأمر شيء يسمعه أمير المؤمنين وتسمعه، ثم يتفضل بالاعفاء منه، قال: وما هو؟
قال: قد علمت أن أمير المؤمنين أشدّ الناس غيرة وأن النبيذ ربما أسرع إليّ، ولست آمن بعض هذه الأحوال وأن ينسى عند غلبة النبيذ ما كان منه فيقول: ما يصنع هذا معي عند حرمي؟ فيعجل عليّ بشيء لا يستدرك، وليس بيني وبين هذا عمل؛ قال فقال المتوكل: تخلّصت يا علي مني بألطف حيلة وأعفاه.
قال يحيى وحدثني أبي قال: قال أمير المؤمنين المتوكل يوما من الأيام: يا عليّ لك عندي ذنب- قال هذا ونحن بدمشق- قال: فأكبرت ذلك وقمت قائما بين يديه وقلت: أعوذ بالله من سخط أمير المؤمنين، ما الذنب يا أمير المؤمنين فلعله كذب كاشح أو بغي حاسد؟ فقال: لا، أخبرني من أثق به، قال فقلت: يتفضل عليّ أمير المؤمنين بتعريفي الذنب، فإن كان لي عذر اعتذرت وإلا اعترفت وعذت بعفو أمير المؤمنين، فقال: أتحتاج إلى شيء وتسأل غيري؟ فقلت: وما ذاك يا أمير المؤمنين؟
قال: أخبرني بختيشوع أنك وجهت إليه واستقرضت منه عشرين ألف درهم فلم فعلت ذلك وما منعك أن تسألني فأصلك؟ أتأنف من مسألتي؟ فقلت: يا أمير المؤمنين لا والله ما منعني ذلك، وإن صلات أمير المؤمنين متتابعة عندي من غير مسألة، ولكن بختيشوع ممن آنس به، فاستعرت منه هذه الدراهم على ثقة مني بأنّ تفضّل أمير المؤمنين غير متأخر عني فأردّها من ماله. قال فقال لي: قد عفوت لك عن هذا هذه المرة فلا تعد إلى مثلها، وإن احتجت فلا تسأل غيري أو تبذل وجهك إليه.
ثم خدم علي بن يحيى المنتصر بن المتوكل فغلب عليه أيضا، وقدّمه المنتصر على جماعة جلسائه وقلّده أعمال الحضرة كلها: العمارات والمستغلات والمرمات والحظائر وكل ما على شاطئ دجلة الى البطيحة من القرى، ثم خدم المستعين بالله فقدّمه وأحبه وأحلّه محله من الخلفاء ممن كان قبله، وأقرّه المستعين على ما تقلّده من