للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال: وختمت القرآن ولي تسع سنين، وقرأت بالعشر ولي عشر سنين، وحبب إليّ الخط وجعل والدي يحضّني عليه؛ فحدثني الشيخ يوسف بن علي بن زيد الزهري المغربي الأديب معلم ولده بحضرة كمال الدين قال: حدثني والد هذا (وأشار إليه) قال: ولد لي عدة بنات وكبرن، ولم يولد لي غير ولد واحد ذكر، وكان غاية في الحسن والجمال والفطنة والذكاء، وحفظ من القرآن قدرا صالحا وعمره خمس سنين، واتفق أن كنت يوما جالسا في غرفة لنا مشرفة على الطريق، فمرت بنا جنازة فاطّلع ذلك الطفل ببصره نحوها ثم رفع رأسه إليّ وقال: يا أبت إذا أنا متّ بما تغشّي تابوتي؟

فزجرته، وأدركني في الوقت استشعار شديد عليه، فلم يمض إلا أيام حتى مرض ودرج إلى رحمة الله ولحق بربه، فأصابني عليه ما لم يصب والدا على ولد، وامتنعت من الطعام والشراب، وجلست في بيت مظلم، وتصبرت فلم أعط عليه صبرا، فحملني شدة الوله على قصد قبره، وتوليت حفره بنفسي، وأردت استخراجه والتشفي برؤيته، فلمشيئة الله ولطفه بالطفل أو بي لئلا أرى به ما أكره صادفت حجرا ضخما وعالجته فامتنع عليّ قلعه، مع قوة وأيد كنت معروفا بهما، فلما رأيت امتناع الحجر عليّ علمت أنه شفقة من الله على الطفل أو عليّ، فزجرت نفسي، ورجعت ولهان بعد أن أعدت قبره إلى حاله التي كان عليها، فرأيت بعد ذلك في النوم ذلك الطفل وهو يقول: يا أباه عرّف والدتي أني أريد أجيء إليكم، فانتبهت مرعوبا وعرّفت والدته ذلك، فبكينا وترحمنا واسترجعنا. ثم إني رأيت في النوم كأنّ نورا خرج من ذكري حتى أشرف على جميع دورنا ومحلتنا وعلا علوّا كبيرا، فانتبهت وأوّلت ذلك فقيل لي: أبشر بمولود يعلو قدره ويعظم أمره، ويشيع بين الأنام ذكره بمقدار ما رأيت من ذلك النور، فابتهلت إلى الله عز وجل ودعوت وشكرته وقويت نفسي بعد الإياس لأني كنت قد جاوزت الأربعين، فلم تمض إلا هنيهة حتى اشتملت والدة هذا ولدي (وأشار إلى كمال الدين أيده الله) على حمل، وجاءت به في التاريخ المقدم ذكره، فلم يكن بقلبي بحلاوة ذلك الأول لأنه كان نحيفا جدا، فجعل كلما كبر نبل جسما وقدرا، ودعوت له عدة دعوات، وسألت الله له عدة سؤالات، ورأيت فيه والحمد لله أكثرها. ولقد قال له رجل يوما بحضرتي كما يقول الناس: أراكه الله قاضيا كما كان آباؤه، فقال: ما أريد له ذلك، ولكني اشتهيته أن يكون مدرّسا، فبلغه الله ذلك بعد

<<  <  ج: ص:  >  >>