موته، وسمع الحديث على جماعة من أهل حلب والواردين إليها، وأكثر السماع على الشيخ الشريف افتخار الدين عبد المطلب الهاشمي ورحل به أبوه إلى البيت المقدس مرتين في سنة ثلاث وستمائة وفي سنة ثمان وستمائة، ولقي بها مشايخ وبدمشق أيضا، وقرأ على تاج الدين أبي اليمن في النوبتين كثيرا من مسموعاته.
حدثني كمال الدين أدام الله معاليه قال، قال لي والدي: احفظ «اللمع» حتى أعطيك كذا وكذا، فحفظته وقرأته على شيخ حلب يومئذ وهو الضياء بن دهن الحصى ثم قال لي: احفظ «القدوري» حتى أهب لك كذا وكذا- لدراهم كثيرة أيضا، فحفظته في مدة يسيرة وأنا في خلال ذلك أجوّد، وكان والدي رحمه الله يحرّضني على ذلك ويتولّى صقل الكاغد لي بنفسه، فإني لأذكر مرة، وقد خرجنا إلى ضيعة لنا، فأمرني بالتجويد فقلت: ليس هاهنا كاغد جيد، فأخذ بنفسه كاغدا كان معنا رديا وتناول شربة اسفيذر، وكانت معنا، فجعل يصقل بها الكاغد بيده ويقول لي:
اكتب، ولم يكن خطه بالجيد وإنما كان يعرف أصول الخط، فكان يقول لي: هذا جيد وهذا رديء، وكان عنده خط ابن البواب، فكان يريني أصوله إلى أن أتقنت منه ما أردت، ولم أكتب على أحد مشهور، إلا أن تاج الدين محمد بن أحمد بن البرفطي البغدادي، ورد إلينا إلى حلب، فكتبت عليه أياما قلائل لم يحصل منه فيها طائل، ثم إن الوالد رحمه الله خطب لي وزوّجني بقوم من أعيان أهل حلب، وساق إليهم ما جرت العادة بتقدمته في مثل ذلك، ثم جرى بيننا وبينهم ما كرهته وضيّق صدري منهم، فوهب لهم الوالد جميع ما كان ساقه إليهم وطلقتهم، ثم إنه وصلني بابنة الشيخ الأجلّ بهاء الدين أبي القاسم عبد المجيد بن الحسن بن عبد الله المعروف بابن العجمي، وهو شيخ أصحاب الشافعي، وأعظم أهل حلب منزلة وقدرا ومالا وحالا وجاها، وساق إليهم المهر وبالغ في الإحسان، وكان والدي رحمه الله بارا بي لم يكن يلتذّ بشيء من الدنيا التذاذه بالنظر في مصالحي، وكان يقول: اشتهي أرى لك ولدا ذكرا يمشي، فولد أحمد ولدي ورآه، وبقي إلى أن كبر ومرض مرضة الموت، فيوم مات مشى الطفل حتى وقع في صدره، ثم مات والدي رحمه الله في الوقت الذي تقدم ذكره، وكان الملك الظاهر غازي بن صلاح الدين صاحب حلب رحمه الله كثير الإكرام لي وما حضرت مجلسه قطّ فما أقبل على أحد إقباله عليّ مع صغر السن،