بين يديه فقيل له في ذلك فقال: أنا لا أتغدى في مكان لا أغسل يدي فيه، فقال له الهادي: فتغد، فكان الناس إذا تغدوا تنحّوا لغسل أيديهم وابن دأب يغسل يده بحضرة الهادي.
وحدث المرزباني عن الحسين بن علي عن أحمد بن سعيد عن الزبير بن بكار عن عمه مصعب عن موسى بن صالح قال «١» : كان عيسى بن دأب كثير الأدب عذب الألفاظ، وكان قد حظي عند الهادي حظوة لم تكن لأحد، وكان يدعو له بتكاء، ولم يكن يطمع أحد من الخلق في هذا في مجلسه ولا يفعل بغيره، وكان يقول له: ما استطلت بك يوما ولا ليلة، ولا غبت عن عيني إلا تمنيت ألّا ترى غيرك. وكان لذيذ المفاكهة طيّب المسامرة، كثير النادرة، جيد الشعر، حسن الانتزاع له، قال: فأمر له ليلة بثلاثين ألف دينار، فلما أصبح ابن دأب وجّه قهرمانه إلى باب موسى الهادي وقال له: انطلق إلى باب الحاجب فقل له: توجّه إلينا بالمال، فانطلق فأبلغ الحاجب رسالته، فتبسم وقال: ليس هذا إليّ، فانطلق إلى صاحب التوقيع ليخرج لك كتابا إلى الديوان فتديره هناك ثم تفعل به كذا وتفعل به كذا، فرجع الرسول إلى ابن دأب فأخبره، فقال: دعها فلا تعرض لها ولا تسأل عنها، قال: فبينما موسى في مستشرف له إذ نظر إلى ابن دأب قد أقبل وليس معه إلا غلام واحد، فقال لابراهيم بن ذكوان الحراني (وإليه ينسب طاق الحراني ببغداد بالكرخ) : أما ترى ابن دأب ما غيّر من حاله ولا تزيّا لنا، وقد بررناه بالأمس ليرى عليه أثرنا، فقال إبراهيم: إن أذن لي أمير المؤمنين عرّضت له بشيء من هذا، فقال: لا هو أعلم بأمره، ودخل ابن دأب فأخذ في حديثه إلى أن عرّض له الهادي بشيء من أمره فقال: أرى في ثوبك غسيلا وهذا الشتاء محتاج فيه إلى لبس الجديد واللين، فقال: يا أمير المؤمنين باعي قصير عمّا أحتاج إليه، فقال: وكيف ذاك وقد صرفنا إليك من برنا ما ظننا صلاح شأنك معه؟! فقال: ما وصل إليّ ولا قبضت منه شيئا، فدعا بصاحب بيت المال فقال له: عجل الآن بثلاثين ألف دينار، فحملت بين يديه.
وحدث بإسناد رفعه إلى أبي زهير قال: كان ابن دأب أحظى الناس عند