التفّ الثقلان، ودانت لها الأيام بعد حران. لكن الحوادث قلما توافقه، والأيام تشاكسه في ذلك وتضايقه، وظني بأن الله سوف يديل «١» .
ولما ورد الرسم- اعلى نور الله به مشارق الأرض ومغاربها- تلقاه العبد بالتعظيم والاجلال، ووضعه على قمة الامتثال، وفضّ ختامه عن الدرّ المكنون، بل أناسيّ العيون، وعن مشمول من الروض مجنوب «٢» ، وكلم على صفحات الدهر مكتوب، فما زالت أعضاؤه تودّ أن تكون شفاها تقبله، وخواطر تتأمله، تمنيا يلذّ به المستهام، ويحلو له الغرام. ثم استدعى الأرامل والأيامى فأعطاهم، واستحضر المساكين واليتامى فأغناهم، وأنحى على ما ملكت يمينه من العبيد والأسرى، فأعتقهم وأطلقهم شكرا، وسأل الله تعالى أن يديم أكناف العرصة الفيحاء، مرتعا للعزّة القعساء، إن شاء الله تعالى:
سنا جبينك مهما لاح في الظّلم ... بتنا نطالع منه نسخة الكرم
إن يزرع الناس في أخلاقهم كرما ... فالبذر من جودك الطنّان بالديم
تبدو على أشقر خضر حوافره ... بحرا يلاطم أمواجا على ضرم
تشمّ عندك صيد العجم لخلخة ... من الرغام بآناف من القمم
كادت لحبّك تأتي وهي ساعية ... على الرؤوس بدون الساق كالقلم
من ظنّ غير نظام الملك ذا كرم ... نادى به لؤمه «استسمنت ذا ورم»«٣»
لما أنشدني هذا البيت قال لي: من نظام الملك؟ قلت: أنت حرسك الله قائل الشعر تسألني عن ممدوحك؟ فقال لي متبسما: لست تعرفه؟ قلت: لا والله؛ قال:
ولا أنا شهد الله أعرفه، لأني ما تعرضت لمدح أحد قط، ولا رغبت في جداه، ولا أعرف أحدا أفضل عليّ إلا مرة واحدة فإن الغربة أحوجتني إليه، فلعن الله الغربة.
قلت له: وكيف ذلك؟ قال: إني مضيت إلى بخارى طالبا للعلم وقاصدا للقراءة على الرضى، فاجتمع إليّ أولا صدرجهان وغيره، فقد أنسيت القصة، فلما حذقوا الأدب