للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يا أهل ذا المغنى وقيتم شرّا ... ولا لقيتم ما بقيتم ضرّا

قد دفع الليل الذي اكفهرّا ... إلى ذراكم شعثا مغبرّا

أنه «سغبا معترّا» فقرأت كما ظننت سغبا معترا، ففكر ساعة ثم قال: والله لقد أجدت في التصحيف فانه أجود، فربّ شعث مغبّر غير محتاج، والسغب المعتر موضع الحاجة، ولولا أنني قد كتبت خطي إلى هذا اليوم على سبعمائة نسخة قرئت عليّ لغيرت الشعث بالسغب والمغبر بالمعتر.

قال مؤلف الكتاب: ولقد وافق كتاب المقامات من السعد ما لم يوافق مثله كتاب ألبتّة «١» ، فانه جمع بين حقيقة الجودة والبلاغة، واتسعت له الألفاظ، وانقادت له وفود البراعة حتى أخذ بأزمّتها وملك ربقتها، فاختار ألفاظها وأحسن نسقها، حتى لو ادّعى بها الاعجاز لما وجد من يدفع في صدره ولا يردّ قوله ولا يأتي بما يقاربها فضلا عن أن يأتي بمثلها، ثم رزقت مع ذلك من الشهرة وبعد الصيت والاتفاق على استحسانها من الموافق والمخالف ما استحقت وأكثر.

ومن عجيب ما رأيته «٢» وشاهدته أني وردت آمد في سنة ثلاث وتسعين وخمسمائة وأنا في عنفوان الشباب وريعه، فبلغني أن بها علي بن الحسن بن عنتر المعروف بالشميم الحلي، وكان من العلم بمكان مكين، واعتلق من حباله بركن ركين، إلا أنه كان لا يقيم لأحد من أهل العلم المتقدمين ولا المتأخرين وزنا، ولا يعتقد لأحد فضيلة، ولا يقرّ لأحد باحسان في شيء من العلوم ولا حسن، فحضرت عنده وسمعت من لفظه إزراءه على أولي الفضل، وتنديده بالمعيب عليهم بالقول والفعل، فلما أبرمني وأضجر، وامتدّ في غيه وأصحر، قلت له: أما كان في من تقدم على كثرتهم وشغف الناس بهم عندك قطّ مجيد؟! فقال: لا أعلم إلا أن يكون ثلاثة رجال: المتنبي في مديحه خاصة ولو سلكت طريقه لما برز عليّ ولسقت فضيلته نحوي ونسبتها إليّ، والثاني ابن نباتة في خطبه وان كانت خطبي أحسن منها وأسير وأظهر عند الناس قاطبة واشهر، والثالث ابن الحريري في مقاماته؛ قلت: فما منعك

<<  <  ج: ص:  >  >>