وقال الرئيس أبو الفتح هبة الله بن الفضل بن صاعد بن التلميذ الكاتب: كان الشيخ الأجل الامام الأوحد أبو محمد القاسم بن علي بن الحريري رضي الله عنه الامام المشهور الفضل من أعيان دهره وفريد عصره، وممن لحق طبقة الأوائل، وغبّر عليهم في الفضائل، وكانت بيني وبينه مكاتبة قديمة في سنة خمس وتسعين وأربعمائة عند ابتدائه حمل المقامات التي أنشأ، ولما وقع الاجتماع به في سنة أربع وخمسمائة ببغداد، وسماعها منه عدة دفعات، جاريته وسألته أن ينظم في النحو مختصرا يحفظه المبتدئون، فشرع في نظم هذه الأرجوزة، وأملى عليّ منها أبوابا يسيرة، وانحدر من غير إتمامها واستعاد مني ما أملاه ليحرره، فكاتبته دفعات أقتضيه بها وأذكره بانفاذها وإنفاذ كتابه «درة الغواص في أوهام الخواص» فكتب إليّ جوابين نسخة الأول منهما:
وصل من حضرة سيدنا- أطال الله بقاءه ومدّته وحرس عزه ونعمته، وضاعف سعادته وكبت حسدته- كتاب كريم، مودعه طول جسيم، وفي ضمنه در نظيم، فابتهجت بتناوله، وقررت عينا بتأمله، وتذكرت الأوقات التي أسعد الدهر فيها برؤيته، وأحظى باجتلاء فضله وروايته، وشكرت الله على ما يوليه من حسن صنعه، وسألته جلّت عظمته أن يجعل النعمة راهنة بربعه، والسعادة جاذبة أبدا بضبعه، وسررت بما بشرني به من نجابة السيد الرئيس الولد النفيس- أمتع الله ببقائه وأتاح لي تجدد الانس بلقائه- ولم أستبعد أن يقمر هلاله بل يبدر، ولا استبدعت أن يورق غصن دوحته الزكية ويثمر، والله تعالى يمليه أطول الأعمار، في رفاهة الأسرار، ومواتاة الأقدار، حتى يعاين أسباطه، ويضاعف باجتماعهم وتضاعفهم بحوزته اغتباطه. فأما الملحة إن أمكن تنفيذها مع أحد المترددين إلى هذا المكان لألحق بها الزيادة وأهذبها كما يطابق الارادة أوعز به. وأما «درّة الغوّاص في أوهام الخواص» فأرجو أن ينسأ «١» الاصعاد إلى بغداد لتصفحها من البدء وكأن قد، وإلى أن يسهل المأمول من الالتقاء، فما أولى همته الكريمة بإتحافي بالأنباء، وانهاضي بما يسنح من الأوطار والأهواء، ورأيه أعلى إن شاء الله.
نسخة الكتاب الثاني وهو المنفذ مع «الملحة» المذكورة: