لئن كانت الأيام أحسنّ مرة ... إليّ لقد عادت لهنّ ذنوب
إذا فكرت- أطال الله بقاء سيدنا وضاعف سعادته وكبت حسدته- فيما كان سمح به الزمان من تلك الملاقاة الحلوة، وإن كانت أقلّ من الحسوة، أعظمت قيمة حسناه، ووجدتها أحلى إسعاف وأسناه، ثم إذا فكرت فيما أعقب من الفرقة، وألهب في الصدر من الحرقة، وجدته كمن رجع في المنحة، وطمس الفرحة بالترحة، ولولا تعلّة القلب المشجوّ، بالتلاقي المرجوّ، لذاب من اتقاد الشوق، ولقال:«شبّ عمرو عن الطوق» . وفي لوامح تلك الألمعية، ما يغني عن تبيان تلك الطوية، وكان وصل من حضرته- أنّسها الله تعالى- ما أعرب فيه عن كريم عهده، وتباريح وجده، فلم أستبدع العذوبة من ورده، ولا استغربت ما تولى من بره وحسن عهده، وبمقتضى هذه الأوامر، والطّول المتناصر، انعكافي على الشكر، واعترافي بعوارفه الغرّ. فأما استطلاع «ملحة الاعراب» المشتبهة بالسراب، فقد آثرت خزائنه- عمرها الله تعالى- بمسودتها، على شعث «١» بنيتها وشوه خلقتها، ولو لم تعرض حادثة العرب، العائقة عن كل أرب، لزففتها كما تزفّ العروس المقيّنة، والخطب المزينة، غير أني أرجو أن ترزق حظوة القباح، وألا تجبه بالذمّ الصراح، ولكتبه- حرس الله نعمته- عندي موقع أنفس التحف، وشكري على التكرّم بها شكر من اتّشّح بها والتحف، وسيدنا أمين الدولة رئيس الحكماء، مخدوم بأفضل دعاء، وأطيب ثناء وسلام، ولرأيه- أدام الله نعمته- في الإيعاز بالوقوف على ما شرحته، وتمثل ما أوضحته، علوه إن شاء الله تعالى.
نسخة كتاب كتبه ابن الحريري إلى أبي الفتح ابن التلميذ قبل اللقاء:
جزى الله خيرا والجزاء بكفّه ... بني صاعد أهل السيادة والمجد
هم ذكروني والمهامه بيننا ... كما ارفضّ غيث من تهامة في نجد
لو أخذت في وصف شغفي بمناقب سيدنا- أطال الله بقاءه وأدام علاءه وحرس نعماءه وكبت حساده وأعداءه- وما أنا بصدده من مدح سؤدده، وشرح تطوّله وتودده، لكنت بمثابة المغترّين، في محاولة عدد رمل يبرين، لكنني راج أن أحظى من ألمعيته الثاقبة، وبصيرته الصائبة، بما يمثل له عقيدتي، ويطلعه على نخيلة مودتي،