فوهّم أبا السائب بذاك أننا في مهمّ، فقمت ومضيت إلى بعض الحجر وجلست إلى أن عرفت انصراف أبي السائب، ثم عدت إليه وقد قام عن ذلك المجلس وجئت من غد إلى أبي السائب فكاد يحملني على رأسه، وأخذ يجاذبني بضروب من المحادثة والمباسطة، وكان [على] ذلك دهرا طويلا.
قال القاضي أبو علي في «نشوار المحاضرة»«١» : حضر بين يديّ رجلان بالأهواز فادّعى أحدهما على الآخر حقّا فأنكره، فسأل غريمه إحلافه فقال له:
أتحلف؟ فقال: ليس له عليّ شيء فكيف أحلف؟ لو كان له عليّ شيء حلفت له وأكرمته.
حدث أبو علي قال: كنت جالسا بحضرة عضد الدولة في مجلس أنسه بنهاوند فغناه محمد بن كالة الطنبوري (شيخ كان يخدمه في جملة المغنين باق إلى الآن) :
ذد بماء المزن والعنب ... طارقات الهمّ والكرب
قهوة لو أنها نطقت ... ذكرت قحطان في العرب
وهي تكسو كفّ شاربها ... دستبانات من الذهب
فاستحسن الشعر والصنعة وسأل عنها فقال له ابن كالة: هذا شعر غنّت به مولانا سلمة بنت حسينة، فاستعاده منها استحسانا له فسرقته منها. قال التنوخي: فقلت له أما الشعر فللخباز البلدي «٢» ، وأظن أبا الحسن ابن طرخان قال لي إن الصنعة فيه لأبيه، والمعنى حسن ولكنه مسروق، فقال: من أين؟ فقلت: أما البيت الثاني فمن قول أبي نواس «٣» .
عتقت حتى لو انصلت ... بلسان صادق وفم
لا حتبت في القوم ماثلة ... ثم قصّت قصة الأمم
ووصفها بالعتق والقدم كثير في القوم بأبلغ من هذا البيت، ولكن التشبيه في