من الأشراف وغيرهم فيدخلون إليه فيهنونه، والشعراء فيمدحونه. فلما جلس ذلك اليوم على هذه الصفة قيل له إن الناس قد اجتمعوا للخدمة، وفيهم أبو الحسن ابن أمّ شيبان وقد حضر، فعجب من هذا ثم قال: أبو الحسن رجل فاضل، وليس هذا من أيامه، وما حضر الا لفرط موالاته وانه ظن أنه يوم لا شرب فيه لنا، وإن حجبناه غضضنا منه، وان أوصلناه فلعله لا يحبّ ذلك لأجل العناء والنبيذ، ولكن اخرج إليه يا فلان (لبعض من كان قائما من الندماء) واشرح له صفة المجلس وما قلته من أمره، وأدّ الرسالة إليه ظاهرا ليسمعها الناس، فان أحبّ الدخول فأدخله قبلهم، وان أراد الانصراف فلينصرف، والناس يسمعون وقد علموا منزلته منا. فخرج الحاجب وأبلغ ذلك، فدعا وشكر وآثر الانصرف فانصرف وهم جلوس يسمعون، ثم قال لحاجب النوبة: اخرج وأدخل الناس، وأبو الفرج محمد بن العباس بن فسانجس وأخوه أبو محمد علي بن العباس يتقدمون الناس جميعهم لرئاستهم القديمة، حتى دخلوا وقبلوا الأرض على الرسم في ذلك وأعطوه الدينار والدرهم، ووقفوا وابتدأ الشعراء، فكان أول من ينشده من الشعراء السلاميّ أبو الحسن محمد بن عبيد الله، إلا أنه يريد منّي أن أنشده في الملأ شيئا، فانه كان يأمرني بذلك من الليل، فأحضر وابتدىء فأنشده، أو يحضر رجل علويّ ينشد شعرا لنفسه، فيجعل عقيبي، ثم ينشد السلامي أبو الحسن، ثم أبو القاسم علي بن الحسن التنوخي الشاميّ من أهل معرة النعمان يعرف بابن جلبات، ثم يتتابع الشعراء. فلما انصرف الناس وتوسّط الشرب جاءه الحاجب فقال: قد حضر أبو بكر ابن عبد الرحيم الفسوي، وكان هذا شيخا قد أقام بالبصرة وشهد عند القاضي بها، وقد وفد إلى باب عضد الدولة قبل ذلك وأقام، وكان حادما له فيما يخدم فيه التجار، يختصّه بعض الاختصاص، فأقبل وكان بين يدي الدست التمري الذى يوضع بين يديّ في كلّ يوم وفيه من الأشربة المحللة ما جرت عادتي بشرب اليسير منه بين يدي عضد الدولة على سبيل المنادمة والمؤانسة والمباسطة، وكان قد وسمني وألزمني ذلك بعد امتناعي منه شهورا حتى قد ردّني وأخافني، فقال لي: يا قاضي إن هذا الرجل الذي استؤذن له عاميّ جاهل بالعلم، وإنما استخدمته رعاية لحرمات له عليّ، ولأنه كان يخدم أمي في البزّ ويدخل إليها باذن ركن الدولة لتقاه وأمانته فلا نستتر عنه، وهذا قبل أن أولد، فلما ولدت كان يحملني على كتفه إلى