مفرعة، وأقيم فنفض ثيابه «١» ، وحرج أبو عبد الله [ابن] سعدان «٢» وكان لي محبا فقال لي: الملك يقول لك. ألم تكن صغيرا فكبّرناك، ومتأخرا فقدّمناك، وخاملا فنبّهنا عليك، ومقترا فأحسنّا إليك، فما بالك جحدت نعمتنا وسعيت في الفساد على دولتنا؟ قلت: أما اصطناع الملك لي فأنا معترف به، وأما الفساد على دولته فما علمت أنني فعلته، ومع ذلك فقد كنت مسورا فهتكني ومتصوّنا ففضحني وأدخلني من الشرب والمنادمة بما قدح فيّ، فقال أبو عبد الله: هذا قول لا أرى الاجابة به لئلا يتضاعف ما نحن محتاجون إلى الاعتذار والتخلص منه، ولكنني أقول عنك كذا وكذا، بجواب لطيف، فاعرفه حتى إن سئلت عنه وافقتني فيه، وتركني وانصرف، وجلست مكاني طويلا وعندي أنني مقبوض عليّ، ثم حملت نفسي على أن أقوم وأسبر الأمر، وقمت وخرجت من الخيمة، فدعا البوابون دابتي على العاده، ورجعت إلى خيمتي منكسر النفس منكسف البال، فصار الوقت الذي أدعى فيه للخدمة، فجاءني رسول ابن الحلاج على الرسم، وحضرت المجلس، فلم يرفع الملك إليّ طرفا ولا لوى إلىّ وجها، ولم يزل الحال على ذلك خمسة وأربعين يوما، ثم استدعاني وهو في خركاه، وبين يديه أبو القاسم عبد العزيز بن يوسف، وعلى رأسه أبو الثناء شكر الخادم، فقال: ويلك اصدقني عما حكاه أبو الفضل ابن أبي أحمد، فقلت: كذب منه، ولو ذكرت لمولانا ما يقوله لما أقاله العثرة، فقال: أو من حقوقي عليكم أن تسيئوا غيبتي وتتشاغلوا بذكري؟ فقلت: أما حقوق النعمة فظاهرة، وأما حديثك فنحن نتفاوضه دائما، فالتفت إلى أبي القاسم وقال: اسمع ما يقول، فقال له بالفارسية- وعنده أنني لا أعرفها-: هؤلاء البغداديون مفتونون ومفسدون ومتسوقون، وقال شكر. [الأمر] كذلك، إلا أن التسوق «٣» على القاضي لا منه، ثم قال لي عضد الدولة. عرّفنا ما قاله أبو الفضل، قلت: هو ما لا ينطلق لساني به، فقال:
هاته، وكان يحب أن تعاد الأحاديث والأقاويل على وجهها من غير كناية عنها ولا