للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

«أدب الكتّاب» فلم يقبل، وأنشدت في الحمام ديوان أبي تمام فلم ينجع، ودفعت إلى الحجّام مقطّعات اللحام فلم يأخذ، واحتيج في البيت إلى شيء من الزيت فأنشدت ألفا ومائتي بيت من شعر الكميت فلم تغن، ودفعت أرجوزة العجاج في توابل السكباج فلم تنفع، وانت لم تقنع فما أصنع؟ فإن كنت تحسب اختلافك إليّ إفضالا منك عليّ، فراحتي ألّا تطرق ساحتي، وفرجي ألّا تجي، والسلام.

وحدث أبو الحسن ابن أبي القاسم البيهقي صاحب كتاب «وشاح الدمية» وقد ذكر أبا بكر الخوارزمي: وقد رمي بحجر البديع الهمذاني في سنة ثلاث وثمانين وثلاثمائة، وأعان البديع الهمذاني قوم من وجوه نيسابور كانوا مستوحشين من أبي بكر، فجمع السيد نقيب السادة بنيسابور أبو علي بينهما [١] ، وأراده على الزيارة، وداره بأعلى ملقباذ [٢] ، فترفّع، فبعث اليه السيد مركوبه، فحضر أبو بكر مع جماعة من تلامذته، فقال له البديع [٣] : إنما دعوناك لتملأ المجلس فوائد، وتذكر الأبيات الشوارد، والأمثال الفوارد، ونباحثك فنسعد بما عندك، وتسألنا فتسر بما عندنا ...

ونبدأ بالفنّ الذي ملكت زمامه وطار به صيتك، وهو الحفظ إن شئت، والنظم ان أردت، والنثر إن اخترت، والبديهة إن نشطت، فهذه دعواك التي تملأ منها فاك، فأحجم الخوارزميّ عن الحفظ لكبر سنه ولم يجل في النثر قداحا وقال: أبادهك، فقال البديع: الأمر أمرك يا أستاذ، فقال له الخوارزمي: أقول لك ما قال موسى للسحرة (قال بل ألقوا) فقال البديع:

الشعر أصعب مذهبا ومصاعدا ... من أن يكون مطيعه في فكّه

والنظم بحر والخواطر معبر ... فانظر إلى بحر القريض وفلكه

فمتى توانى في القريض مقصر ... عرّضت أذن الامتحان لعركه


[١] قال البديع في رسائله (ص ٣٩) واتفق أن السيد أبا علي نشط للجمع بيني وبينه، فدعاني فأجبت، ثم عرض عليّ حضور أبي بكر فطلبت ذلك وقلت: هذه عدة كنت أستنجزها، وفرصة لا أزال أنتهزها، فتجشم السيد أبو الحسين وكاتبه يستدعيه فاعتذر أبو بكر بعذر في التأخر ...
[٢] هي ملقاباذ عند ياقوت.
[٣] الرسائل: ٤١- ٨٢، وما هنا مبني على الإيجاز والتلخيص (ومن الواضح أن ما يورده ياقوت إنما هو حكاية البديع للقصة، وهي من طرف واحد) .

<<  <  ج: ص:  >  >>