قال: وهذه أبيات كثيرة فيها مدح الشريف أبي علي والمفاخرة وتهجين الخوارزمي، فقال الخوارزمي أيضا أبياتا ولكن ما أبرزها من الغلاف، فقال له البديع: أما تستحي أن يكون السنور أعقل منك لانه يجعر فيغطيه بالتراب، فقال لهما الشريف: انسجا على منوال المتنبي:
أرق على أرق ومثلي يأرق
فابتدا أبو بكر وكان إلى الغايات سباقا وقال:
فإذا ابتدهت بديهة يا سيدي ... فأراك عند بديهتي تتقلّق
ما لي أراك ولست مثلي في الورى ... متموها بالترّهات تمخرق
ونظم أبياتا ثم اعتذر فقال: هذا كما يجيء لا كما يجب، فقال البديع: قبل الله عذرك، لكن وقفت بين قافات خشنة كلّ قاف كجبل قاف، فخذ الآن جزاء عن قرضك وأداء لفرضك:
مهلا أبا بكر فزندك أضيق ... واخرس فإن أخاك حيّ يرزق
يا أحمقا وكفاك تلك فضيحة ... جرّبت نار معرّتي هل تحرق
فقال له أبو بكر: يا أحمقا لا يجوز فإنه لا ينصرف، فقال البديع: لا نزال نصفعك حتى ينصرف وتنصرف معه، وللشاعر أن يردّ ما لا ينصرف [إلى الصرف] وإن شئت قلت: يا كودنا. ثم قولك في البيت «يا سيدي» ثم قلت «تتقلق» مدحت أم قدحت؟ فإن اللفظين لا يركضان في حلبة، فقال لهما الشريف: قولا على منوال المتنبي:
أهلا بدار سباك أغيدها
قال البديع:
يا نعمة لا تزال تجحدها ... ومنة لا تزال تكندها
فقال أبو بكر: الكنود قلة الخير لا الكفران، فكذبه الجمع وقالوا: ما قرأت قوله تعالى إِنَّ الْإِنْسانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ