هارون بالنطع والسيف وضرب رقاب العلوية ثم التفت محمد بن الحسن فقال: يا أمير المؤمنين هذا المطلبي لا يغلبنك بفصاحته فإنه رجل لسن، فقلت: مهلا يا أمير المؤمنين فإنك الداعي وأنا المدعوّ، وأنت القادر على ما تريد مني ولست القادر على ما أريده منك، يا أمير المؤمنين ما تقول في رجلين أحدهما يراني أخاه والآخر يراني عبده أيهما أحبّ إليّ؟ قال: الذي يراك أخاه، قال قلت: فذاك أنت يا أمير المؤمنين، قال فقال لي: كيف ذاك؟ فقلت: يا أمير المؤمنين إنكم ولد العباس وهم ولد علي، ونحن بنو المطلب، فأنتم ولد العباس ترونا اخوتكم وهم يرونا عبيدهم، قال: فسرّي ما كان به، فاستوى جالسا فقال «١» : يا ابن ادريس كيف علمك بالقرآن؟
قلت: عن أيّ علومه تسألني؟ عن حفظه فقد حفظته ووعيته بين جنبي وعرفت وقفه وابتداءه وناسخه ومنسوخه وليليّه ونهاريّه ووحشيّه وإنسيّه وما خوطب به العام يراد به الخاص وما خوطب به الخاص يراد به العام؛ فقال لي: والله يا ابن ادريس لقد ادّعيت علما فكيف علمك بالنجوم؟ فقلت: إني لأعرف منها البريّ من البحريّ والسهليّ والجبليّ والفيلق والمصبح وما تجب معرفته، قال: فكيف علمك بأنساب العرب؟ قال فقلت: إني لأعرف أنساب اللئام وأنساب الكرام ونسبي ونسب أمير المؤمنين، قال: لقد ادّعيت علما، فهل من موعظة تعظ بها أمير المؤمنين؟ قال:
فذكرت موعظة لطاوس اليماني «٢» فوعظته بها فبكى وأمر لي بخمسين ألفا. وحملت على فرس، وركبت من بين يديه وخرجت، فما وصلت الباب حتى فرقت الخمسين ألفا على حجّاب أمير المؤمنين وبوابيه، قال: فلحقني هرثمة وكان صاحب هارون فقال: اقبل هذه مني، قال فقلت له: إني لا آخذ العطية ممّن هو دوني وإنما آخذها ممن هو فوقي، قال: فوجد في نفسه، قال: وخرجت كما أنا حتى جئت منزلي، فوجهت إلى كاتب محمد بن الحسن بمائة دينار وقلت: اجمع الوراقين الليلة على كتب محمد بن الحسن وانسخها لي ووجه بها إليّ، قال: فكتبت لي ووجّه بها إليّ.
قال: اجتمعنا أنا ومحمد بن الحسن على باب هارون، وكان يجلس فيه القضاة والأشراف ووجوه الناس إلى أن يؤذن لهم، قال: واجتمعنا في ذلك المكان، قال: