للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يعظمونه بالتقبيل والاستقبال، والاكرام والاجلال، وما خرج الخوارزمي حتى غابت الشمس، وعاد إلى بيته وانخزل انخزالا شديدا، وانكسف باله وانخفض طرفه، ولم يحل عليه الحول حتى خانه عمره وذلك في شوال سنة ثلاث وثمانين وثلاثمائة.

قال أبو الحسن البيهقي: وبديع الزمان أبو الفضل أحمد بن الحسين الحافظ كان يحفظ خمسين بيتا بسماع واحد، ويؤديها من أولها إلى آخرها، وينظر في كتاب نظرا خفيفا ويحفظ أوراقا ويؤديها من أولها إلى آخرها، فارق همذان في سنة ثمانين وثلاثمائة، وكان قد اختلف إلى أحمد بن فارس صاحب «المجمل» وورد حضرة الصاحب وتزود من ثمارهما، واختصّ بالدهخداه أبي سعد محمد بن منصور، ونفقت بضاعته لديه، ووافى نيسابور في سنة اثنتين وثمانين وثلاثمائة، وبعد موت الخوارزمي خلا له الجوّ، وجرت بينه وبين أبي علي الحسين بن محمد الخشنامي مصاهرة، وألقى عصا المقام بهراة، ثم فارق دنياه في سنة ثمان وتسعين وثلاثمائة.

وحدث الثعالبي في أخبار أبي فراس قال [١] : حكى أبو الفضل الهمذاني قال، قال الصاحب أبو القاسم يوما لجلسائه وأنا فيهم، وقد جرى ذكر أبي فراس الحارث بن سعيد بن حمدان: لا يقدر أحد أن يزوّر على أبي فراس شعرا فقلت: من يقدر على ذلك، وهو الذي يقول:

رويدك لا تصل يدها بباعك ... ولا تغز السباع إلى رباعك

ولا تغر العدوّ عليّ إني ... يمين إن قطعت فمن ذراعك

فقال الصاحب: صدقت، فقلت: أيد الله مولانا فقد فعلت [٢] .

ويقال إن السبب في مفارقة البديع الهمذاني حضرة الصاحب أنه كان في مجلسه فخرجت منه ريح، فقال البديع: هذا صرير التخت، فقال الصاحب: أخشى أن يكون صرير التحت، فأورثه ذلك خجلا كان سبب مفارقته إياه ووروده إلى خراسان.


[١] اليتيمة ١: ١٠٢.
[٢] من الواضح أن البديع نظم البيتين على المكان وأنشدهما الصاحب، وجازت عليه نسبتهما إلى أبي فراس أو تظاهر بذلك.

<<  <  ج: ص:  >  >>